ناصر خسرو || أبو العلاء المعرّي



مختارات تراثية:

ناصر خسرو || أبو العلاء المعرّي




”وَفِي الحَادِي عشر من رَجَب سنة 43 (11 يناير 1047) خرجنَا من حلب، وعَلى مَسَافَة ثَلَاثَة فراسخ مِنْهَا قَرْيَةٌ تُسَمّى جند قنسرين. وَفِي اليَوْم التّالِي سرنا سِتّة فراسخ، وبلغنا مَدِينَة سرمين الّتِي لَا سور لَهَا. وَبعد مَسيرَة سِتّة فراسخ أُخْرَى بلغنَا معرة النُّعْمَان.

وَهِي مَدِينَة عامرة وَلها سور مَبْنِيّ وَقد رَأَيْت على بَابهَا عمودًا من الحجر، عَلَيْهِ كِتَابَةٌ غير عَرَبِيّة. فَسَأَلتُ مَا هَذَا؟ فَقيل: إِنّه طِلَّسْمُ العَقْرَب، حَتّى لا يكون فِي هَذِه المَدِينَة عقربٌ أبدًا، وَلَا يَأْتِي إليها. وَإِذا أُحْضر من الخَارِج وَأُطلق بهَا، فَإِنّهُ يَهرُبُ وَلَا يَدخُلهَا. وَقد قِسْتُ هَذَا العمود فَكَانَ ارتفاعُه عَشْرَ أَذْرُعٍ.

وَرَأَيْتُ أسواقَ معَرّة النُّعْمَان وافرةَ العمرَان. وَقد بُني مَسْجِدُ الجُمُعَة على مُرْتَفعٍ وسطَ المَدِينَة، بِحَيْثُ يَصْعدُون إليه من أَيّ جَانب يُرِيدُونَ، وَذَلِكَ، على ثَلَاث عشرَة دَرَجَة. وزراعةُ السّكان كُلّهَا قَمحٌ، وهو كثير. وفيهَا شجرٌ وفيرٌ من التِّين وَالزّيْتُون والفستق وَالعِنَب. ومياهُ المَدِينَة من المَطَر والآبار. وَكَانَ بِهَذِهِ المَدِينَة رجلٌ أعْمَى، اسْمُه أَبُو العَلَاء المعرّي، وهو حاكِمُها. وَكَانَ وَاسعَ الثّراء، عِنْدَهُ كثيرٌ من العَبيد، وَكَانَ أهلَ البَلَد خَدَمٌ لَهُ.

أمّا هُوَ، فقد تَزهّدَ، فَلبسَ الكلتمَ وَاعْتَكف فِي البَيْت. وَكَانَ قوتُه نصفَ من مِنْ خُبز الشّعير، لَا يَأْكُل غَيره. وَقد سَمِعت أَنّ بَاب سرايه مَفْتُوحٌ دَائِمًا وَأَنّ نوّابَه ومُلازميه يُدبّرون أَمرَ المَدِينَة، وَلَا يرجعُونَ إِلَيْهِ إِلَّا فِي الأمور الهامّة. وَهُوَ لَا يمْنَعُ نعْمَته أحدًا. يَصُوم الدّهْرَ وَيقومُ اللّيْل وَلَا يشغل نَفسَه مُطلقًا بِأَمْر دُنْيَوِيّ.

وَقد سما المعرّي فِي الشّعْر وَالْأَدب إِلَى حدّ أَن أفاضل الشّام وَالْمغْرب وَالْعراق يقرّونَ بِأَنّهُ لم يكن من يُدانيه فِي هَذَا العَصْر، وَلَا يكون. وَقد وضع كتابا سَمّاهُ الفصول والغايات، ذكرَ بِهِ كَلِمَات مرموزة وأمثالا فِي لفظ فصيح عَجِيب، بِحَيْثُ لَا يقف النّاس إِلّا على قَلِيل مِنْهُ. وَلا يفهمهُ إِلّا من يقرأه عَلَيْهِ. وَقد اتّهَمُوهُ بـ “أنّك وضعتَ هَذَا الكتاب مُعَارضَةً لِلقُرْآنِ”.

يجلس حوله دَائِما أَكثرُ من مِائَتي رجل، يحْضرُون من الأَطْرَاف يقرَءُون عَلَيْهِ الأَدَب وَالشعر. وَسمعتُ أَنّ لَهُ أَكثرَ من مائَة ألف بَيت شعر. سَأَلَهُ رجلٌ: لمَ تُعطِي النّاس مَا أَفَاءَ اللهُ تبَارك وَتَعَالَى عَلَيْك من وافر النّعَم، ولا تَقُوتُ نَفسَك؟ فَأجَاب: إِنِّي لا أمْلكُ أَكثرَ مِمّا يُقيم أوَدي.

وَكَانَ هَذَا الرّجلُ حَيًّا وَأَنا هُنَاكَ.
*

نقلاً عن: ناصر خسرو (ت: 481 هـ)، سفر نامه

فضائح كتب التدريس السورية

 
في الآونة الأخيرة قمت بفحص بعض كتب التدريس في المناهج السورية، وما سأورده هنا من المنهاج السوري قد يندرج على بلدان أخرى في العالم العربي، وسأترك للقارئ حرية المقارنة مع المناهج العربية في في البلدان الأخرى. فماذا يتعلم التلاميذ السوريون هذه الأيام في كتاب من أصدار وزارة التربية السورية؟ ...

قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!