”وعَلّم آدمَ الأسماءَ كلّها“

أرشيف: ”الحياة“ - أكتوبر 2000:
”فها هم عاملون في وسائل إعلام عربيّة، وها هُم أدباء وكتّاب يسيرون في هذه القافلة الّتي تستهتر بأسماء النّاس وخاصّة أسماء الضّحايا منهم...“

في ما خص المواقف الفرنسية الأخيرة


أرشيف: الحياة - ديسمبر 2003

تحيّة عربيّة إلى الرئيس الفرنسي:

ما من شكّ في أنّ على كلّ عربيّ متنوّر أن يبارك خطوة الرّئيس الفرنسي هذه الّتي تحاول الإبقاء على الطّابع العلماني لفرنسا.

سلمان مصالحة ||
في ما خص المواقف الفرنسية الأخيرة

وأخيرًا جاءت كلمة الرئيس الفرنسي جاك شيراك، في أعقاب قضيّة ارتداء الحجاب في المدارس الفرنسيّة، حيث صرّح فيها عن رأيه بشأن المبدأ غير القابل للتّفاوض بشأن علمانيّة الجمهوريّة الفرنسيّة ومبدأ فصل الدّين عن الدّولة، وعدم السّماح بإدخال الرّموز الدّينيّة إلى المدارس والمؤسّسات العامّة في الدّولة الفرنسيّة. كان من المتوقّع أن ترتفع الأصوات العربيّة الأصوليّة ومن يدور في فلكها من العرب وغيرهم منتقدة موقف الرّئيس الفرنسي. لكن، تجدر الإشارة إلى أنّه حينما أصدر وزير التّربية الفرنسي في العام 1937 التّعليمات بإزالة كلّ الرّموز الدّينيّة من المدارس لم يثر أحد على هذه التّعليمات، وفي حينه لم تكن هناك أقليّة إسلاميّة كبيرة في فرنسا كما هي الحال الآن.

ما من شكّ في أنّ على كلّ عربيّ متنوّر أن يبارك خطوة الرّئيس الفرنسي هذه الّتي تحاول الإبقاء على الطّابع العلماني لفرنسا. فالحجاب الّذي يفرض تحت ضغوط اجتماعيّة على الفتيات في البلدان الإسلاميّة والعربيّة، والآن في أوروپا، لا يعني إلاّ أنّ ثمّة نظرة مريضة لدى رجال الدّين هؤلاء ومن يدعم توجّهاتهم. هؤلاء يرون في كلّ شيء من جسد الأنثى، حتّى وإن كانت طفلة بعمر ستّ سنوات أو تسع سنوات مثلاً، موضوعًا جنسيًّا فحسب، أو عورة يجب سترها. غير أنّ العورة الحقيقيّة قائمة في ذهن هؤلاء الرّجال ومن يوّيّدهم، وهم بالذّات من يتوجّب عليهم أن يضعوا الحجاب على عقولهم المريضة. إنّ مبدأ فصل الدّين عن الدّولة هو المبدأ الّذي يرتقي بالمجتمعات كلّ المجتمعات، وهو المبدأ الّذي يجب حمايته بكلّ الوسائل أمام محاولات المساس به وإفراغه من مضمونه، مثلما يحاول كلّ هؤلاء الّذين ينصّبون أنفسهم مسؤولين عن أخلاق المجتمع وسلوكيّاته، بينما الأخلاق هي أبعد ما تكون عنهم.

هنالك عرب ليبراليّون وعلمانيّون، بل وحتّى عرب متديّنون، ناهيك عن النّساء العربيّات اللّواتي طالما ناضلن من أجل رفع الضّيم الذّكوري والمجتمعي عنهنّ يجب على هؤلاء جميعًا أن لا يخشوا من إسماع أصواتهم على رؤوس الأشهاد. فلو نزع العرب في بلادهم إلى فصل الدّين عن الدّولة، مثلما فعلت الجمهوريّة الفرنسيّة، لما كانت مجموعات كبيرة منهم بحاجة إلى الهجرة من بلادها إلى الدّول المتقدّمة علميًّا وحضاريًّا. نعم، لو أفلح العرب في اتّخاذ هذا المبدأ هاديًا لهم، لتغيّرت مجتمعاتهم من أساسها ولظلّوا وعاشوا في بلادهم دون أن يهاجروا بحثًا عن رزق أو حريّة فرديّة. ولو أفلح العرب في ذلك لتحرّرت المرأة العربيّة من أكبال الذّكوريّة العربيّة الغبيّة، دينيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، ولقامت بدورها في بناء المجتمع العربي على أسس أكثر تطوّرًا وانفتاحًا. لو فعل العرب ذلك لكانت صورة المجتمعات العربيّة بعيدة جدًّا عن هذا الدّرك والخواء السّياسي والإجتماعي والثّقافي الّذي نشهده خلال عقود، إن لم نقل خلال قرون.

نعم، هؤلاء الّذين يطالبون بفرض الحجاب على المرأة، وأولئك الّذين من ورائهم هم هم الّذين يتشدّقون بأنّ الإسلام هو الحلّ، وهم هم الّذين يمارسون القمع الذّكوري العربيّ سياسيًّا وفكريًّا واجتماعيًّا حيثما حلّوا، ليس على المرأة فحسب بل على المجتمع برمّته. يجب التفكُّر قليلاً في ما يُقال بهذا الصّدد. هل هي صدفة أنّ كلّ الّذين يوجّهون الانتقاد إلى الرّئيس الفرنسي بسبب خطوته هذه هم من نوع هؤلاء الّذين يتباكون على الدّكتاتوريّات العربيّة المنهارة؟ ثمّ، أليس في هذه الحقيقة ما يكفي من شهادة فاضحة على جوهر هؤلاء ومنطلقاتهم الإجتماعيّة، السّياسيّة والثّقافيّة؟

يجب أن نقول كلمتنا صراحة ودون مواربة. ليست الدّعوة إلى السماح بارتداء الحجاب الّتي يطالب بها البعض سوى دعوة مبيّتة لاستمرار استصغار النّساء في المجتمعات العربيّة على جميع الأصعدة. ومن هنا، فإنّ على كلّ المتنوّرين العرب أن يبعثوا برسالة تحيّة إلى الرّئيس الفرنسي شيراك على موقفه هذا. إذ أنّ الطّريق المثلى إلى تطوُّر المجتمعات العربيّة في البلاد العربيّة، ناهيك عن العرب المقيمين في أوروبا وأماكن أخرى خارج العالم العربي، تبدأ بالضّبط من هذه النّقطة، أي من زاوية النّظر إلى المرأة. وفيما يخصّ تطوُّر المجتمعات العربيّة فإنّ المرأة المتحرّرة من العبوديّة الذّكوريّة هي الحلّ، وليس أيّ شيء آخر.
*
نشرت: “الحياة”، 28 ديسمبر 2003
***
For English, press here

الجامعة العربية بين الإنترنت والإعراب

أرشيف: الحياة - فبراير 2004:


قد تكون ثورة الإنترنت، على سبيل المثال، سلاحًا ذا حدّين. فبوسع هذه الشبكة العالمية أن تشكّل مصدرًا معرفيًّا يصل أطراف العالم ببعضه البعض من خلال وجود حاسوب بسيط في أماكن نائية من العالم. لكن، من جهة أخرى وإذا لم يتمّ استخدام الشّبكة بما تتيحه من إمكانات، فقد تتحوّل الشّبكة إلى أداة لإشاعة الجهل والذّوق السّوقي.

إلى الجحيم!


أرشيف (مارس 2005)

سلمان مصالحة || إلى الجحيم!


قبل مدّة
مضى سفّاح العراق البعثي إلى غير رجعة، مع أنّ فلوله ما زالت تمارس القتل، بالمفرّق وبالجملة، وهي هواية نشأت وترعرعت عليها عصابات البعث وأعوانهم. غير أنّ نهاية هذه الفلول آتية لا ريب فيها. وفي فلسطين تلاشى عرفات، وكأنّه "فصّ ملح وذاب"، كما يقال، فلا أحد يأتي على ذكره منذ أن غاب عن الأنظار، وانتخب الفلسطينيّون رئيسًا جديدًا مختلفًا وبصورة ديمقراطيّة يحاول جاهدًا الآن إصلاح ما أفسد سابقه طوال عقود. وفي إسرائيل بدأ يعي الرأي العام أنّ منطق القوّة لا يجدي نفعًا أمام إرادة الشّعوب بالتّحرّر من الاحتلال، ممّا حدا بالقيادات العسكرية والسياسيّة إلى إعادة حساباتها.

وقبل أيّام،
أعلن حسني مبارك عن نيّته في تغيير البند الدّستوري بشأن الانتخابات الرئاسيّة المصريّة، لكي يكون بالإمكان انتخاب رئيس مصري بين أكثر من مرشّح واحد. ومهما قيل في ذلك، فلا شكّ أنّ الرّياح القادمة من الغرب قد بدأت تحرّك قمم الأشجار الباسقة والّتي لم تتحرّك منذ عقود.

وبالأمس
استقالت حكومة دمى البعث الشّامي في بيروت، تحت ضغط الشّارع اللّبناني على جميع أطيافه الإثنيّة والدّينيّة. إنّها مؤشّرات على رياح جديدة تهبّ في هذه المنطقة من العالم.

من جهة، تزرع هذه التّحوّلات بعض الأمل في النّفوس الّتي أطبق عليها اليأس طوال العقود الأخيرة، إن لم نقل طوال قرون. لكن، من جهة أخرى هنالك حاجة إلى رعاية هذه النّبتات الدّيمقراطيّة الجديدة القادمة إلى هذه المنطقة من العالم. هنالك حاجة ماسّة إلى تربة خصبة وإلى أرضيّة ملائمة لتنمية هذه النّبتة وتكثيرها ثمّ توزيعها على كلّ سنتيمتر في هذا المشرق المنكوب بحضارته القبليّة والدّينيّة منذ قرون، لتتحوّل إلى حدائق غنّاء بدل هذا التّصحُّر الحضاري والأخلاقي في العالم العربي والإسلامي.

وهذا العالم،
العربي والإسلامي، لم يعرف الدّيمقراطيّة أبدًا في حياته، ولذلك فإن ما يجري في هذه الأيّام هو بمثابة تجربة جديدة وغير مسبوقة. كما يجدر النّظر إليها بحذر شديد، ويجب إحاطتها بكوابح دستوريّة مدنيّة لقطع الطّريق على كلّ من تسوّل له نفسه المساس بهذه الشّجرة الغالية الثّمن، والّتي طالما طال انتظار البشر في هذه البقعة من الأرض إلى التّمتّع بثمارها والاستراحة تحت ظلالها.

والسؤال المطروح الآن هو،
كيف تتمّ رعاية هذه الأشجار الجديدة؟ هنالك عدّة خطوات أولى يجدر اتّخاذها على هذه الطّريق الطّويلة.

أوّلاً،
يجب حلّ جامعة الدّول العربيّة، لأنّها لا تعني شيئًا سوى كونها مؤسّسة لموظّفين لا يفعلون شيئًا غير عقد اجتماعات وإصدار بيانات لا قيمة لها. هذه الجامعة هي مجرّد نادٍ لأعضاء موفدين لا يربط بين بلادهم أيّ خيط يمكن أن يشكّل قاعدة لعمل عربيّ مشترك. إذ أنّ الواقع هو أنّ كلّ دولة من دول الجامعة لها أجندة خاصّة بها. إذن، والحال هذه، فلتسيّر كلّ دولة أمورها كما تراه مناسبًا لها. ناهيك عن أنّ الوحدة العربيّة هي مجرّد فرية إعلاميّة من مخلّفات البلاغة العربيّة التّليدة والبليدة ليس إلاّ، وهدفها تخليد الأنظمة الديكتاتوريّة بشعارات الموظّفين الموفدين.

ثانيًا،
وضع دستور مدني، وعلى وجه الخصوص في كلّ دولة متعدّدة الإثنيّات والطّوائف يرتكز في الأساس على فصل الدّين عن الدّولة، لأنّ الدّين في هذه البلاد المتعدّدة الإثنيّات هو أداة فصل وتمييز عنصري، وليس أداة وصل تجمع المواطنين في الحدود الجغرافيّة للدّولة. دولة المواطنين لا يمكن أن تنشأ إلاّ بعيدًا عن الدّين، وعن الملل والنّحل في هذه الدّول. كذا في العراق وفي مصر، وفي سوريا ولبنان، وكذلك في إسرائيل وفلسطين أيضًا.

هل ستنمو
وتكبر هذه النّبتة الجديدة في المسكب اللّبناني بعد كلّ هذه الأعوام من الاقتتال الطّائفي والدّيني، ومن الاحتلال الأجنبي الإسرائيلي والسّوري فيه؟ وهل تنتقل هذه العدوى المباركة شرقًا لتطيح بالبعث الشّامي وترسله إلى جحر شبيه بجحر البعث العراقي غير المأسوف عليه؟ حتّى وإن وجد هذا البعث الشّامي، ويا للمفارقة، أذرعًا حزبيّة قومجيّة عروبيّة أقسمت يمين الولاء للكنيست الإسرائيلي، ونصّبت أنفسها في الوقت ذاته أداة إعلاميّة لهذا البعث الشّامي البغيض.

في هذه اللّحظة نرسل تحيّة للمعارضة اللّبنانيّة بجميع طوائفها وأحزابها، والحذر الحذر من المطبّات على هذه الطّريق، لأنّ هنالك من يتربّص بكم الآن، لأنّه بدأ يشتمّ نهايته.

وهل
تطول فسحة الأمل هذه؟
لا أدري.

*
نشر: “إيلاف”، 1 مارس 2005


يتسحاق لاؤور || ثلاث قصائد


  من الشعر العبري:

 

يتسحاق لاؤور || ثلاث قصائد

يتسحاق لاؤور


امرأة ميتة

وَعندئذٍ تَنْتهِي الحَرْبُ، وَنَبْقَى
كَما دَوْمًا، الأحْياءُ، لنَحْكِي
ما تُقَرّرُهُ الدّوْلة في الذاكرة سَيَبْقَى
وما يُؤْخذُ وما يَطويهُ النسيان، إذا
انْتَصَرْنا، وإذا هُزِمْنا، وفي هذا الأوان ”لا
تَمُدَّ يَدَكَ إلى الصّبِيّ“*، يقولُ
المَلاكُ لجاري، الّذي أُرْسلَ آخرُ مَنْ أنْجبَ
مِنْ أَولاد، ابنُ شَيْخُوختِهِ، لإحْضارِ كمامةِ غاز،
أوْ لأَبٍ من إيران، مِهْنتُهُ حَدّاد،
تَأَرْمَل
فِي القَصْفِ الأَوّل.

* إشارة إلى الآية من سفر التكوين، إصحاح 22


ــــــــــــ

ابنة بابل

عندما نَنْتَصرُ، طَبْعًا سيقُولونَ لَنا: شووو...؟
أَلَمْ يَكُنْ ذلكَ جديرًا؟ صَحيح، يُوجدُ قَتْلَى
لكنْ، لَدَيْهم أكْثَر، أَكْثَر بكَثير
رُبّما ليسَ بما يَكْفِي، ومع ذلك مرّةً أخرى
سَلامُنا عَلَى ما يُرام، حيٌّ قام علَى أَنْهارِ
الدّمِ في ”بابل الصّائرة إلَى الخَراب“*، إذَنْ
كَفَى عَويلاً، هَيّا عُودُوا إلى العَمَل
(كَمْ هو مُحَرِّرٌ دَمُ الآخَرين)

* إشارة إلى المزمور 137
ــــــــــــ

رهيبة

وَهاكُمْ سُلوان، لَنْ تَكونَ
أبدًا حَرْبٌ. سُدُولُ ليلٍ
هادئٍ حَلَّ عَلَينا، من بُيوتِ المدينة
تَتَعالَى هَمْهَمةُ مُكَيّفات
وفي المَقابر العَسْكريّة
تَنتظرُ، منذ سنوات، الشّواهدُ
بِهُدوءٍ للصَّرْخَة: لأَجْلِ ماذا؟
(مِنْ هُنا تَتَعالَى حَقًّا الرَّهْبَة.
رهيبة)
*

ترجمها من العبرية: سلمان مصالحة

 
نشرت بالعبرية: ملحق ”ثقافة وأدب“، هآرتس، 25 سبتمبر 2012


قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!