عن هـويّة العرب في إسرائيل


حول مسألة الهوية - مقالات من الأرشيف (1994):

ولكن، ومن جهة أخرى، وإلي جانب هذا الوضع الموضوعي الّذي وجدت نفسها الأقليّة العربيّة فيه، فهنالك أمور أخرى جرت خلال هذه العقود كان لها أبعد الأثر في إحداث البلبلة في كلّ ما يتعلّق بهويّة هذه الأقليّة المغلوب على أمرها...

ســلمان مصــالحة || عن هـويّة العرب في إسرائيل

في الآونة الأخيرة بدأت تظهر على السّاحة العربيّة داخل إسرائيل بعض التّساؤلات حول مكانة العرب الفلسطينيّين في إسرائيل، ومن خلال تلك التّساؤلات تبرز على السّطح قضايا تنصبّ جلّها في خانة التّخبّط الّذي صار من نصيب تلك الأقليّة في كلّ ما يتعلّق بهويّتها. وطوال العقود الماضية لم تحاول النّخبة المثقّفة منهم التّطرّق إلى هذه القضايا لكونها مليئة بحقول من الألغام. وبدل البحث في هذه المسائل بكلّ جرأة من أجل تدارك المطبّات فقد انتشرت بين صفوفهم توجّهات رومانسيّة تضخّ ماء حياتها من آبار الماضي الّتي أخذت تنضب مع مرور الزّمن. تلك التّوجّهات الرّومانسيّة نبعت من ذلك الأمل بأنّ الأمور ستعود إلى ما كانت عليه قبل النّكبة، بفضل الأمّة العربيّة الممتدّة من الخليج إلى المحيط.

غير أنّ الماضي لا يعود أبدًا. بل وأكثر من ذلك، فمع مرور الزّمن يأخد الماضي بالابتعاد ومعه تبتعد الأحلام الرّومانسيّة. وخلال كلّ هذه الفترة بقيت هذه الأقليّة كفرع مقطوع من الشّجرة الأمّ فغرزت نفسها في ترابها، هذا التّراب الّذي تحوّل إلى مَسكَبٍ لبسَ صورة أخرى بقيام إسرائيل فيه. لقد انصبّ جلّ همّ هذا الفرع المقطوع من الشّجرة على الإبقاء على جذوة الحياة في الوطن رغم كلّ هذه المحن. ويمكن القول إنّ هذه المهمّة قد تمّ تنفيذها برغم كلّ العراقيل الّتي واجهتها. لقد كان للقلّة القليلة من المثقّفين في تلك الفترة، وعلى وجه الخصوص أولئك الّذين تحلّقوا في مدار الشّيوعيّين حصّة الأسد في الحفاظ على الوجود العربيّ الوطني في الوطن المقطوع.

وهكذا ابتعد الماضي رويدًا رويدًا وظهر تيّاران داخل الأقليّة الفلسطينيّة في إسرائيل. وكلاهما، على الفرق الكبير بينهما، لم يرد أن يعوّل على البلاغة العربيّة المسموعة من الاذاعات العربيّة. التّيّار الأوّل هو تيّار وطنيّ حاول لمّ شظايا هذا المجتمع وصهرها في بوتقة جديدة. ذلك هو التّيّار الّذي تحلّق في مدار الشّيوعيّين قد فهم اللّعبة وموازين القوى فقد استمرّ الالتزام بموقفه من قرار التّقسيم برغم كلّ الصّعوبات، أي أنّه قبل بقيام إسرائيل، وفي نفس الوقت استمرّ بالمطالبة بإقامة دولة فلسطينيّة إلى جانب إسرائيل، هذا الموقف الّذي يفهم الجميع الآن أنّه كان الموقف السّليم الّذي يجب اتّخاذه، ولو تمّ الأخذ به لما كانت الأوضاع الفلسطينيّة على ما هي عليه الآن. والتيّار الآخر هو تيّار كثير العدد أيضًا ولكنّه تيّار مذدنب صبّ جلّ اهتمامه على قضايا صراع البقاء والحياة، دونما اهتمام بالجوانب القوميّة والوطنيّة. هو التّيّار الّذي اهتمّ بالقضايا اليوميّة وبالمصالح الشّخصيّة ملقيًا عرض الحائط بكلّ ما يتعلّق بقضايا قوميّة ووطنيّة. هذا التّيّار الّذي كان يدلي بأصواته في الانتخابات لصالح الأحزاب الصّهيونيّة على جميع تصنيفاتها، وحتّى تلك المتديّنة والعنصريّة منها. وعلى هامش هذين التّيّارين كان هنالك أفراد وحركات صغيرة جدّا استمرّت في حمل الرّايات القوميّة العربيّة على جميع شعاراتها المعروفة. وعلى الرّغم من الفارق الكبير بين التّيّارين، إلاّ أنّهما قد التقيا في النّهاية ضمن الجدول الّذي حفرته لهما الصّهيونيّة متمثّلة بدولة إسرائيل الّتي قامت في الوطن.

ولكن، ومن جهة أخرى، وإلي جانب هذا الوضع الموضوعي الّذي وجدت نفسها الأقليّة العربيّة فيه، فهنالك أمور أخرى جرت خلال هذه العقود كان لها أبعد الأثر في إحداث البلبلة في كلّ ما يتعلّق بهويّة هذه الأقليّة المغلوب على أمرها. من بين تلك الأمور الانقطاع الفيزيائي عن الجسد العربيّ وقد تمثّل ذلك في الحدود المغلقة طوال عقود من الزّمن، إضافة إلى ذلك يمكننا أن نذكر تلك النّظرة الغابنة الّتي نظر فيها العالم العربيّ المحيط إلى هذه الأقليّة، حيث اتّهمت في الكثير من الأحيان كما لو أنّها كانت متعاونة مع الصّهيونيّة. ولكنّ هذه الأقليّة قد كظمت غيظها جراء هذا الغبن وبقيت في وطنها وأبقت على هذه الهويّة على جميع إشكالاتها الرّومانسيّة.

يدور الحديث في الآونة الأخيرة عن القضيّة الّتي يطلق عليها البعض مصطلح أسرلة الأقليّة العربيّة في إسرائيل، وهنالك من بين المثقّفين من ينفي ذلك، على الرّغم من أنّه لا يقدّم أيّ إثبات وجيه لمقولاته. غير أنّي أريد أن أؤكّد هنا أنّ هذه الأسرلة هي حقيقة وواقع لا يمكن أن يتجاهلهما ذوو البصر والبصيرة. وإلى جانب ذلك الوضع الموضوعي الّذي نشأ بعد النّكبة فثمّ أمور طرأت خلال هذه العقود قد عمّقت هذا التّوجّه في صفوف الأقليّة الفلسطينيّة داخل إسرائيل. حينما بدأت تظهر في منظّمة التّحرير التّوجّهات الواقعيّة الّتي تقبل بقيام إسرائيل في الوطن المشطور فقد بدأت بموازاة ذلك تتقهقر تلك التّوجّهات الرّومانسيّة في صفوف العرب في إسرائيل. أي أنّه كان للتّوجّه الواقعي في صفوف منظّمة التّحرير حصّة ودور كبير في صهر هذه الأقليّة في الكيان الإسرائيلي. فإذا كانت منظّمة التّحرير الفلسطينيّة، ”الممثّل الشّرعي والوحيد“، للشّعب الفلسطينيّ قد تنازلت عن حلمها، فقد وجدت هذه الأقليّة الفلسطينيّة في إسرائيل نفسها مقطوعة مرّة أخرى من جسد شعبها هي.

غير أنّ لهذه البلبلة أسباب أخرى، وتلك هي أسباب تتعلّق بماهيّة وجوهر إسرائيل، حيث أنّ إسرائيل، كما تعرّف نفسها، هي دولة يهوديّة قامت من أجل اليهود، وقد قبلت بوجود أقليّة عربيّة فيها، غير أنّ هذه الأقليّة هي دائمًا تأتي في المرتبة الثّانية أو الثّالثة في تدريج هموم هذه الدّولة. وهكذا فإنّ الوضع الّذي نشأ يجعل الأقليّة العربيّة في إسرائيل من أتعس الأقليّات في هذا العالم. وسبب هذه التّعاسة هو انعدام الأحلام لديها. فجلّ اهتمامها يتحوّل إلى قضايا حياتيّة يوميّة، والقضايا الحياتيّة اليوميّة ستؤدّي في النّهاية إلى تشرذم هذه الأقليّة إلى حمائل وطوائف، وهذه هي الحقيقة الجوهريّة لهذا المجتمع العربيّ، تذوب ضمن الكيان الإسرائيلي. وهذا ما هو حاصل فعلاً على أرض الواقع.

ومصطلح الأسرلة الّذي يحاول البعض إطلاقه، ليس هو مجرّد شعار فحسب، إنّما هو حقيقة ظاهرة للعيان ولا يمكن تجاهلها من خلال إطلاق شعارات لا تستند إلى أرض الواقع، ولكي أبيّن لكم ما أرمي إليه فها أنا سائق لكم بعض الأمثلة للتأكيد على ما أقول.

أوّلاً، من ناحية الموقف السّياسيّ فإنّ جميع العرب في إسرائيل أصبحوا يرون أنفسهم جزءًا لا يتجزّأ من الكيان السياسيّ الإسرائيلي، فيَنتخبون ويُنتخبون، وينصبّ جلّ اهتمامهم على قضايا المساواة المدنيّة في الدّولة اليهوديّة.

وثانيًا، وهذه هي قضيّة جوهريّة، يلاحظ المراقب ذلك التّدهور الحاصل للّغة العربيّة في صفوف أفراد تلك الأقليّة. لقد نشأ جيل كامل يتحدّث بلغة هي خليط من العبريّة والعربيّة. ويجب علينا ألاّ ننسى أنّ من أهمّ نجاحات الصّهيونيّة هو بعث اللّغة العبريّة من جديد لتصبح لغة تخاطب ولغة كتابة وإبداع، وإذا كان العرب في إسرائيل قد استوعبوا هذه اللّغة، لجميع الأسباب الموضوعيّة الّتي قد تكون صحيحة، وتبنّوها كلغة تخاطب وكتابة فإنّهم بذلك يرفعون راية أهمّ الإنجازات الصّهيونيّة. إنّ من يتجوّل داخل المدن والقرى العربيّة في إسرائيل فلا شكّ أنّه سيلاحظ أنّ اللاّفتات على الحوانيت والمتاجر قد كتبت في الكثير من الأحيان باللّغة العبريّة. كما يمكنني هنا أن أسوق مثالاً آخر، وهو أنّ صحيفة ”يديعوت أحرونوت“ العبريّة هي أوسع الصّحف إنتشارًا بين صفوف العرب في إسرائيل. أليست هذه الحقائق تشير إلى أسرلة الأقليّة العربيّة في إسرائيل؟ فاللّغة هي ليست وسيلة تخاطب فحسب إنّما هي وجود حضاري كامل يؤثّر على مفاهيم وتفكير من يتكلّمها.

وثالثًا، وهذا هو مثال في غاية الأهمّيّة، وفيه ما يشير إلى هذه الهويّة الجديدة الّتي نشأت لدى العرب في إسرائيل. على الرّغم من الشّعارات الّتي يرفعها، بين الفينة والأخرى، السياسيّون والمثقّفون من بين العرب في إسرائيل، من مثل كون الشّعب الفلسطينيّ واحدًا لا يتجزّأ، فيجب ألاّ ننسى أنّ الإنتفاضة الفلسطينيّة في المناطق المحتلّة لم تتخطّى حدود الخطّ الأخضر، ولم تصل إلى ما يُطلق البعض عليه اسم ”فلسطينيّي الدّاخل“، وكلّ ما عمله هؤلاء هو مجرّد تضامن معنوي لا غير، وبين الحين والآخر فقد أرسل هؤلاء بعض المواد الغذائيّة لـ ”إخوانهم“ المحتلّين، ليس إلاّ. وإذا كان البعض يظنّ أنّ الخطّ الأخضر هو الفاصل السياسيّ الوحيد، فأودّ هنا أن الفاصل ليس خطًّا أخضر سياسيًّا فحسب إنّما هو فاصل نفسانيّ يحمل في طيّاته أمورًا هي أبعد وأعمق من ذلك بكثير. وللتّمثيل على ما أقول، يكفي أن ننظر إلى وضع القدس المحتلّة، فهنالك الكثيرون من العرب، مواطني إسرائيل، الّذين قدموا إلى القدس للدّراسة في الجامعة العبريّة أو مؤسسّات أخرى في المدينة، واستمرّوا في البقاء هنا بعد إنهاء الدّراسة وسكنوا في المناطق العربيّة من القدس المحتلّة. فهؤلاء، وهم ليسوا قليلي العدد، لم يشاركوا بأيّ صورة كانت بالانتفاضة الفلسطينيّة الّتي شملت القدس الفلسطينيّة المحتلّة. وعلى الرّغم من كون هؤلاء ينتمون إلى الطّبقة المثقّفة الّتي ترفع شعارات الانتماء للشّعب الفلسطينيّ إلاّ أنّهم لم يكونوا جزءًا من الانتفاضة، كما أنّهم لم يضربوا في أيّام الإضرابات المتعدّدة بل ذهب كلّ منهم إلى عمله في المؤسّسات الإسرائيليّة. هذه الحقيقة هي أكبر إثبات على أنّهم رأوا أنفسهم جزءًا من الهويّة الإسرائيليّة، كما أنّهم كانوا يتنقّلون بحريّة ويعبرون الحواجز رافعين الهويّات الإسرائيليّة، وفي الحقيقة لم يختلفوا بذلك عن سائر المستوطنين الإسرائيليّين في المناطق المحتلّة رغم الفارق الواضح بين الطّرفين. هذه هي الأسرلة على أرض الواقع، وقد تستخدم إسرائيل هؤلاء في المستقبل حينما يدور الحديث عن مستقبل القدس. قد يثير هذا الكلام حفيظة الكثير من النّاس، لكن آن الأوان إلى طرح جميع القضايا على جميع الإشكالات المترتّبة عنها. وفقط من خلال طرح جميع التّساؤلات يمكننا الوصول إلى رؤى مستقبليّة سليمة.

***
نشرت المقالة في: ”الحياة الجديدة“، رام الله، 12 ديسمبر 1994
____

خذيني

سلمان مصالحة || خذيني

خُذي الكلمةَ الزانيةْ
سئمتُ اقترافَ الحروفْ
عن العائد الرائحِ.

خُذي القبلةَ الثانيةْ
ولا تَرُدّي الرصيفْ
على الشارع السانحِ.

خُذي النشوةَ الفانيةْ
خُذيني انتصارَ الخريفْ
على الورق النازحِ.

خُذي الدمعةَ الرانيةْ
خُذي قَسَمات الرغيفْ
من الجائعِ المادحِ.

*
من مجموعة ”مقامات شرقية“ (1991)
***
For Russian , press here
-------

شفا القلق

سلمان مصالحة || شفا القلق

خُذْ مِنْ بَقَايا الرُّوحِ مُرْتَمَقًا،
وَانْثُرْ بَقايَاكَ عَلَى الوَرَقِ

لَمْ يَبْقَ مِنْ شَـيْءٍ تُسَـائِلُـهُ
إلاّ سَبَايَا الهَمِّ فَانْطَـلِـقِ

وَارْسِمْ حُرُوفًا لَيْسَ يُدْرِكُـها
قَوْمٌ تَوَارَوْا عَنْ خُطَى الأَرَقِ

وَانْقُشْ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي بُسِطَتْ
لِلْمَاسِكِينَ غُرَّةَ الأُفُقِ

قَوْلاً يَقُومُ اللَّيْلَ، مُعْتَكِفًا
فِي سِرِّهِ، يَمْضِي إلَى أَلَقِ

وَانْثُرْهُ فِي نَفْسِ الَّذينَ مَضَوْا
لَمْ يَنْزِلُوا يَوْمًا بِمُـفْـتَـرَقِ

ما فَاتَ مِنْ ماضٍ، مَضَى عَبَثًا
أَمْسَى رَميمًا فِي ثَرَى الطُّرُقِ

رَاحَ الّذينَ ارْتاحَ شَاعِرُهُمْ
مُسْـتَمْطِرًا غَيْمًا بِلا عَـرَقِ

إنْ شِئْتَ أَنْ تُبْقِي عَلَى أَثَرٍ
فَارْكَبْ بِحَارَ الشَّكِّ، لا تَثِقِ

إلاّ بِمَا يُمْلِيهِ فِي حُلُمٍ
صَوْتٌ تَهَادَى فِي شَفَا القَلَقِ

*

أيّار 2012
----------

لأ، اللّي فات ما مات

سلمان مصالحة || لأ، اللّي فات ما مات

أحيانًا لا يعرف المرء
من أين يبدأ. ليس لأنّ الأمور غير واضحة المعالم، بل لأنّ الأخبار والمشاهد التي تصل أسماع وأنظار الناس تحتوي على الكثير ممّا يجعل المرء في حيرة من أمر بعض هؤلاء الذين يتمّ اختيارهم للقيام بمهامّ حسّاسة وفي مناطق حسّاسة. يبدو أنّ الذهنيّات التي جُبلوا عليها لا تبارحهم أينما حلّوا وحيثما ارتحلوا.

لا شكّ أنّ القارئ لا زال يتذكّر تلك المهزلة التي جاءت من طرف الجامعة العربية. فلقد ماطلت هذه الجامعة العربية، على ما تمثّله من منظّمة تافهة تفاهة الدّول المنضوية فيها، برئيسها الذي لم يكشف كما يشي اسمه، لا عن النُّبل ولا عن الهمّ العربي. لقد التأمت هذه الجامعة وعقدت جلسات، فقامت وقعدت وشربت القهوة السادة وناقشت إلى أن خرجت بقرار إرسال مراقبين عربًا لإعداد تقرير عمّا يجري في سورية.

كلّ ما استطاعت هذه الجامعة تقديمه للشعب السّوري هو إرسال ما نُطلق عليه في لغتنا المحكية ”حاميها حراميها“. لقد تمثّل هذا الـ”حرامي“ برئيس بعثة المراقبين تلك، الجنرال السوداني محمد مصطفى الدابي. نعم، لا ندري ما هي الذهنيّة التي تقف وراء اختيار جنرال سوداني كان مسؤولاً عسكريًّا في دارفور، حيث ارتكب الجيش السوداني المجازر بحقّ مئات الآلاف من البشر.

والآن، نقرأ ونسمع
بشأن بعثة نفر المراقبين المرسلين من قبل الأمم المتّحدة. إنّ ما يشدّ الانتباه هو الكلام الصادر عن بعض العرب من هؤلاء النّفر. فلقد نشرت وسائل الإعلام والاتّصال العصرية أخبار وصور وكلام رئيس فريق المراقبين الدوليّين. وهذه المرّة يأتي الكلام من الجنرال المغربي أحمد حميش. لقد تناقلت وسائل الإعلام خبر حديثه مع أهالي حمص المنكوبة، فماذا يقول هذا العقيد الفهلوي لأهالي حمص؟ يجب أن يسمع القارئ لكي يفهم هذه الذهنية التي استحكمت في طبائع هذه الـ”حضارة“. هكذا يقول العقيد الجديد: ”اللي فات مات.. ومن استشهد رحمه الله". نعم، هكذا يلخّص هذا العقيد البليد الجديد رؤيته أمام المنكوبين من أهل حمص.

لو كان الأمر مضحكًا
لكنّا ضحكنا، وانتهى الأمر. غير أنّ الأمر لا يثير الاشمئزاز فحسب، بل إنّه يثير الامتعاض والغثيان لشدّة ما يكشفه من بلادة عاطفيّة وذهنيّة في آن معًا. فهل يعتقد العقيد البليد أنّه موجود في جلسة لحلّ إشكال بين أطفال متناوشين على أمور تافهة، أم أنّه يظنّ أنّه يجلس في خيمة لعقد صلح عشائري؟ فما هي رتبة العقادة هذه التي يحملها وما هي رتبته في سلّم رتب البلادة؟

نعم، فات الكثير ومات الكثير. لم يمت هؤلاء بقضاء وقدر، بل قتلتهم طغمة وعصابة عن سبق إصرار. لقد قتلتهم عصابة أدعياء العروبة عن سبق إصرار لأنّهم خرجوا ينشدون الحريّة. نعم، فات الكثير في هذا العام المنصرم ومات الكثير في بلاد الشام فقط لمجرّد طلب الانعتاق من هذا النّظام الذي انبنى على الجريمة متلبّسًا شعارات قومويّة لم تعد تنطلي على أحد.

اللّي فات مات؟
لأ. أيّها العقيد البليد. اللّي فات ما مات، ولن يموت. النّظام الذي انبنى على الإجرام، لا مناص من أن يرحل. رؤوس النّظام الّذين أدمنوا القتل لا بدّ من تقديمهم للمحاكمة. فقط بعد ذلك، يمكن القول للآخرين من فلول هذا النّطام: اللّي فات مات. ويمكن بعدئذ المضيّ قدمًا في مصالحة وطنية حقيقية، بين جميع الأطياف الطائفية التي يتركّب منها المجتمع السّوري.

على السوريّين المنتفضين أن يرفضوا استقبال مراقبين عربًا، إذ أنّ هؤلاء لا يفهمون على ما يبدو المهمّة الملقاة على عاتقهم. لأنّ طبعهم يغلب تطبّعهم في نهاية المطاف. وإلى أمثال الدّابي السوداني، أو العقيد المغربي لا يسعنا إلاّ القول: الأمور لن تعود إلى سابق عهدها وكأنّ شيئًا لم يكن.

لن تعود الأمور إلى سابق عهدها وكأنّ ”اللّي فات مات...“. أليس كذلك؟

والعقل ولي التوفيق!
*
نشر في: ”إيلاف“، 2 مايو 2012

***

بقايا ليل

سلمان مصالحة || بقايا ليل

حِينَ يَحْبُو الضَّوْءُ
فِي بَيْتٍ تَنَامَى لِرُقَادٍ،
يَأْرَقُ القَلْبُ هِيَامَا

بِالَّتِي أَرْسَتْ عَلَى
شُطْآنِهِ سُفُنًا تَحْمِلُ
حُزْنًا وَمُدَامَا

لَمْ تَشَأْ، فِي غُرْبَةِ
التَّنْهِيدِ، أَنْ تَكْشِفَ السّرَّ
الّذِي رَامَ اقْتِسَامَا

وَأَنـَا، فِي حَيْرَةٍ مِنْ
أَمْرِهَا، أَكْتُمُ الهَمَّ
وَأَسْتَبْقِي لَهَا مَا

يَمْسَحُ الدَّمْعَ، الّذِي
يَطْفُو عَلَى ضَفَّةِ العَيْنَيْنِ،
عِشْقًا وَاهْتِمَامَا

بِهُمُومٍ، هِيَ مِنْ ضَيْعَتِنَا
حَيْثُمَا نَمْضِي، سَنَلْقَاهَا
أَمَامَا

حِينَ تَغْفُو فِي ثَنَايَا
نَظْرَتِي، أزْرَعُ الدَّمْعَ
بِسِرٍّ قَدْ تَرَامَى

فِي بَقَايَا اللّيْلِ، مَحْرُوسًا
لِمَنْ هَجَعَتْ فِي حُلْمِهَا،
تُخْفِي كَلامَا

فَيُفِيقُ القَلْبُ مِنْ
رَقْدَتِهِ، وَيَعُودُ الحُلْمُ
هَمًّا مُسْتَدَامَا

بَيْنَ قَلْبَيْنِ، اسْتَرَاحَا
بُرْهَةً، فِي عَرِينِ اللّيْلِ
حَيْثُ الحُزْنُ عَامَا

فَلَهُ مِنْ حُزْنِهَا دَمْعُ
نَدًى، وَلَهَا مِنْهُ الهَوَى
يُمْسِي سَلامَا
*
21 يناير 2011
***

قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!