إنْ قالت النّار خُذني إلى البحر


سـلمان مصـالحة
 

إنْ قالت النّار خُذني إلى البحر

هَلِ الشِّعْرُ إنْسٌ غَرِيبٌ أَتَى راجِلاً
مِنْ مَكانٍ بَعِيد، وَسُرْعَانَ مَا
يَعْتَرِيهِ أُوَارُ النَّدَمْ؟
أَمِ الشِّعْرُ حِسٌّ خَفِـيتٌ تَوَارَى مَعَ
النّارِ حِينَ قَضَتْ نَحْبَهَا، إذْ مَضَتْ
فِـي اخْتِبارِ حُدُودِ الأَلَمْ؟

***

وَمَنْ يَحْمِلُ الصَّوْتَ لَيْلاً، بُعَيْدَ
اخْتِفاءِ الحَنِينِ الَّذِي أَشْبَعَ الذّكْرَياتِ
كَلامًا كَـثِيفًا نَمَا مِنْ عَدَمْ؟
وَمَنْ يَحْمِلُ النَّفْسَ، حِينَ تُفِـيقُ مِنَ
المَوْتِ، حِينَ سَتُبْحِرُ خَلْفَ عُيُونٍ
تَسَمَّرَ فِـيها السَّنَا حِقْبَةً، لَمْ تَنَمْ؟

***

وَإنْ قَالَتِ النّارُ للْقَلْبِ، خُذْنِـي
أَصِيلاً إلَى البَحْرِ؟ هَلْ يَسْمَعُ المَوْجُ
صَوْتَ الوَلِيدِ الَّذِي شَاقَهُ المَرْتَعُ؟
وَكَـيْفَ يَكُونُ الحَدِيثُ عَنِ القَلْبِ
بَعْدَ انْقِضاءِ الفُصُولِ؟ وَماذا يَصِيرُ
الرَّمَادُ الخَفِـيفُ إذَا مَسَّهُ المَاءُ؟
هَلْ يَنْفَعُ الشُّعَرَاءَ لِدَمْلِ الجِراحِ الّتِـي
وَرِثُوهَا أَبًا سائِلاً عَنْ أَبٍ؟

***

وَحِينَ يَغِيبُ الزَّمانُ عَنِ اللَّحْظَةِ،
وَتَعْلُو مِنَ الهَاوِياتِ الخُطُوبُ الَّتِـي
تَأخُذُ النَّفْسَ فِـي رِحْلَةِ اللاَّرُجُوعِ
إلَى حُلُمٍ سَابِقٍ، مَنْ يُعِيدُ الضِّيَاءَ
إلَى مُقْلَةٍ مَكَـثَتْ فِـي الغُرُوبِ؟
وَمَنْ فِـي الظَّلامِ سَيَرْسِمُ لَيْلاً
لَهُ ما لَهُ مِنْ صَفَا اللَّيْلَةِ؟

***

وَحِينَ يَصِيرُ المَكانُ كَـثِيبًا مِنَ
الحُزْنِ تَحْمِلُهُ الرِّيحُ أَنَّى تَرُوحُ.
وَحِينَ سَتُفْتَحُ، بَعْدَ سُبَاتِ
الخَرِيفِ، عَلَى مِصْرَعَيْهَا
القُرُوحُ. وَحِينَ، عَلَى شَفَةِ
القَفْرِ، يَنْمُو الضَّبابُ الجَدِيبُ.
وَحِينَ سَتُمْحَى الدُّرُوبُ
وَتَفْنَى عَلَى هذِهِ الأَرْضِ،

يَبْقَى الكَلامُ الجَرِيحُ
بُيوتًا مِنَ الشِّعْرِ، نَارًا تَوَقَّدُ
فِـي مَفْرَقِ الرُّوحِ.
يَأوِي إلَيْهَا، إذَا ما
أضاعَ الطَّرِيقَ، الغَرِيبُ.

***

كاترينا إليوپولو: قصيدة حبّ

كاترينا إليوپولو

قصيدة حبّ


حلمتُ عن امرأة
امرأتي ليستْ أربعاء الرّماد
كما ليستْ هي الجمعة الحزينة
وليستْ أحدَ الصُّعُود
امرأتي هي دَوْمًا الخميس.

وبكلمات أُخرى، ما لا يقبله العقل.

عُنقها حلبةُ سباقٍ
مَثْلومةٌ من وقْعِ الحذوات
ميدانٌ مُرْتَعدٌ

تُمسكٌ ساعةً صغيرة
بينَ أسْنانها
وعندما نُقبِّلُ بعضَنا أخْشَى من
أنْ أبْتَلعَها

عندئذٍ ستعرفُ دائمًا إيقاعي

امرأتي ليستْ شَجَرَة
إنّها حجرٌ
عندما أقضمُها تَتكسّرُ أسناني.
إنّها أيضًا تُعاني، إذ ليسَ بوسعي
أنْ أُغيّر شكْلَها.

أستطيعُ فقط أنْ أُغيّرَ فَضاءَها
وهكذا أرْميها بَعيدًا
وبعدئذٍ أعْدُو مثلَ كلبٍ يَبْتَلعُ المسافات
لأُعِيدَها إليّ.


ترجمة: سلمان مصالحة

Katerina Iliopoulou, "Love Poem", translated into Arabic by Salman Masalha

****


Katerina Iliopoulou

Love Poem


I dreamt of a woman
My woman is not Ash Wednesday
Nor is she Good Friday
Nor the Sunday of Doubting Thomas
My woman is always Thursday.

That is to say inconceivable.

Her neck is a racetrack
Furrowed by hooves
A vibrating field.

She holds a small watch
Between her teeth
And when we kiss I worry
I might swallow it

Then she will always know my rhythm.

My woman is not a tree
She is a stone
When I crunch her my teeth shatter.
She suffers too because it’s impossible for me
To change her shape

I can only change her space
So I throw her away
And then I run like a dog sucking in the distance
To get her back.


From the book of poems “Mister T.”, Melani 2007, translated by Konstantine Matsukas


***

آچي مشعول: تهليلة


آچي مشعول

تهليلة

بعيدًا في السّماء
يَحُومان عَلَى غَيْمَة
أمٌّ حَزينة
وَأَبٌ مُهَرِّج

لكنّي لَسْتُ مِنْ هناك
هذه لَيْسَتْ أنا
أنا، لقَاءَ بَطّة،
اشْتَرَيا مِنْ غَجَريّ

وَرُبَّما فَقَسْتُ منْ قَرْنَبيط
أو سَقَطْتُ من منقرِ
لَقْلَق.

لنْ أَعْرف أبدًا.
أبدًا لنْ أتَحَقَّق.


ترجمة: سلمان مصالحة

***
من مجموعة: زيارة بيتية، 2009

لقراءة المزيد من شعر آچي مشعول، انقر هنا.

عرب في مهب الريح

سـلمان مصـالحة

عرب في مهبّ الرّيح

سأبدأ الكلام برواية هذه الطرفة: قبل أعوام، وبينما كان الحديث يدور حول السّياسة والشرق الأوسط، ذكرتُ لصديق من أصل تركي المقولة القومويّة العربيّة الشّائعة على ألسنة الكثيرين من العرب والّتي تقول إنّ العالم العربي في وضع متخلّف لهذه الدرجة بسبب الحكم العثماني الذي استمرّ أزيد من أربعة قرون. وما أن سمع الصديق كلامي حتّى انفجر ضاحكًا. لم أفهم سبب ضحكه، فاستفسرت عمّا وراء هذا الضحك، فقال: في تركيا يقولون شيئًا مشابهًا، إنّهم يقولون هناك إنّ تركيا متخلّفة لأنّها حكمت العرب طوال هذه القرون.

تذكرت هذه النكتة الآن بينما كنت أتابع ما يجري على الساحة العربية الآن بعيد جريمة القرصنة العسكريّة الإسرائيلية على متن سفينة "مرمرة" التركية. وهكذا، بين ليلة وضحاها، أضحى أردوغان في نظر القومويّين حامي حمى العروبة. وبين ليلة وضحاها تناسى كلّ أدعياء القومويّة العروبيّة كلّ إرثهم الشعاراتي ضدّ العثمانيين الأتراك والذي رضعوه وأرضعوه ليل نهار لسامعيهم وقرّائهم وطفقوا يهلّلون لمسيحهم الجديد السلطان العثماني القادم من أسطنبول.

إنّ وضع كلّ أصحاب الشعارات هؤلاء من أدعياء العروبة لهو أشبه بمتسوّلي قشّة في عرض بحر متلاطم الأمواج. لا شكّ أنّهم سيرفعون أصواتهم مهلّلين للسّلاطين العثمانيين الجدد من ميكروفونات "قلب العروبة النابض" في أكبر قاعدة أميركيّة في الشرق الأوسط. إنّه "القلب النّابض" لذات السّلطنة التي كانت الصحافة العالمية قد أشارت قبل أسبوعين فقط إلى أنّ أميرها طلب أكثر من مرّة إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل مقابل السماح لقطر بإدخال مواد ومعونات لغزّة، ومقابل أن تقوم إسرائيل بتصريح إعلامي يشيد بدور قطر الإيجابي في المنطقة. وكالعادة، طبعًا لم تنبس ميكروفونات "قلب العروبة النابض" الجديد في استوديوهات امبراطورية قطر الشعبوية العظمى ببنت شفة حول كلّ هذه الأخبار.

هل نسي كلّ هؤلاء القوميين الجدد أنّهم طالما أشبعونا شعارات حول "لواء إسكندرون السّليب". فأين اختفى هذا اللّواء السّليب، وأين اختفت هذه الشّعارات؟ لقد بدأ اختفاء لواء الإسكندرون من الذاكرة السورية بعد حشد الأتراك الجيوش على الحدود السورية، فما كان من الرئيس الأسد الأب إلاّ أن لفلف القضيّة، وأخرج اللّواء "السّليب" من خارطة سورية، "قلب العروبة النابض"، على ما شنّفوا آذاننا به طوال عقود.

إنّ مشكلة كلّ هؤلاء ممّن يصنّفون في خانة "اليسار العربي"، إنْ كان هذا موجودًا أصلاً، ومشكلة كلّ هؤلاء القومويّين الشّعبويّين العرب هي أنّ كلّ هؤلاء جميعًا يعتاشون على ذات الطبخة التي تبدو ظاهرًا جميلة المظهر ولذيذة المذاق غير أنّها دميمة وقبيحة متخفّية خلف مساحيق الشعارات التجميلية التي تُطلى عليها، ومُقزّزة لكثرة ما أكل عليها الدهر وشرب. كلّ هؤلاء كانوا دومًا يتّسمون بالقبح. إنّه ذات القبح الذي شبّوا وشابوا عليه في تعاونهم الدائم مع أسوأ الأنظمة العربية الدكتاتورية المتعسّفة، ملكية كانت أم جمهورية.

فليتفكّر كلّ العرب قليلاً. ماذا جنى العرب من كلّ هذه الاستقلالات والحركات الوطنية بعد جلاء الاستعمار؟ لقد جنى العرب أنظمة ظالمة لشعوبها أسوأ بكثير من أنظمة الاستعمار ذاته. بل وأكثر من ذلك، فقد كان الاستعمار ذاته أرحم بكثير للمواطن العربي من كلّ هذه الأنظمة "الوطنية والقوميّة". وإذا كانت هذه هي الحال، فما الحاجة إذن إلى كلّ هذه الاستقلالات؟

كلّ الأنظمة العربية لا يعنيها شيء سوى الحفاظ على الامتيازات والبقاء القبليّ في السلطة، ولهذا فإنّ سياساتها تتبدّل من الألف إلى الياء إذا اقتضتها ضرورة البقاء. وفوق كلّ ذلك، فقد وجد المواطن العربي نفسه في آخر قائمة التخلّف على المستوى العالمي.

إنّ دعاوى العروبة الكاذبة، وإن كانت تُدغدغ عواطف المراهقين العرب، غير أنّها تبقى في سنّ المراهقة حتّى مع تقدّم أصحابها في السنّ. ما لم يطرح هؤلاء بديلاً حقيقيًّا بعيدًا عن أنظمة العسف العربية على كافّة تنويعاتها فلن تقوم لهم قائمة. كلّ شيء يتغيّر ما عدا شعارات العروبة الكاذبة، فهي تتغيّر من موقع إلى موقع، بانتظار منقذ مخلّص أو مسيح، كريشة في مهبّ الريح.

والعقل ولي التوفيق.
***
نشرت في "إيلاف"

***

قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!