هل القدس حقًّا هي أولى القبلتين؟


سلمان مصالحة

هل القدس حقًّا هي أولى القبلتين؟


في سلسلة المقالات التالية
سأعرض على القارئ الكريم ما أتوصّل إليه بشأن فلسطين كما تتبدّى في التّراث العربي والإسلامي. وقبل أن أبدأ أودّ أن أمهّد لذلك فأقول إنّي لن أتعرّض في هذه المقالات لكتابات استشراقيّة حول هذه المسائل حتّى لا أُتّهم بأنّني أشيع آراء غربيّة وغريبة وما إلى ذلك من مقولات واتّهامات جاهزة لدى بعض النّفر من العرب، من صنف أولئك الّذين لا يقرؤون ولا يفقهون ولا يعون ما يشتمل عليه هذا التّراث العربيّ والإسلاميّ. وهي، على كلّ حال، مقولات واتّهامات تُفسد على القارئ النّبيه إمكانية النّظر ببصيرة حادّة وجادّة في قضايا تهمّ القارئ العربيّ بعامّة والفلسطيني منه على وجه التّحديد. فكم بالحريّ إذا كان الحديث عن تراثنا، ونحن عرب ننتمي إلى هذه الأمّة. فنحنُ قيّمون على حضارتنا العربيّة والإسلاميّة، نعرف قراءة تراثنا المكتوب بلغتنا العربيّة، والّتي نعرفها جيّدًا مثلما نعرف هذا التّراث، تراثنا نحن. كما نعرف التّعامل معه بلساننا، ولسنا بأيّ حال من الأحوال بحاجة إلى أناس غرباء آخرين لقراءته ومساءلته.

في البداية،
لا بدّ من التّنويه إلى ما يلي: لمّا كانت فلسطين والقدس لم يرد ذكرهما في القرآن بتاتًا، وإنّما ورد ذكر بيت المقدس فقط، ليس نصًّا صريحًا في القرآن، بل ورد ذكرها في كتب التّفسير والتّاريخ وغيرها في سياق الحديث عن التوجّه بالصّلاة، أي القبلة، وفقط في سياق قصّة إسراء ومعراج الرّسول. ولذلك وجدت أنّه من المناسب أن أبدأ هذه السلسلة بمقالة حول القبلة.

فهل حقًّا القدس هي أولى القبلتين؟
تشيع في الكتابات العربيّة والإسلاميّة في هذا العصر مقولة إنّ القدس هي "أولى القبلتين"، أي أنّ الرّسول والمسلمين الأوائل، أي في المرحلة الأولى لظهور الإسلام، كانوا يستقبلون القدس، أي يتّجهون في صلواتهم نحو بيت المقدس. فهل كان ذلك حقًّا؟من أجل الإجابة على هذه التّساؤلات، دعونا ننظر فيما نقله لنا السّلف عن هذه القضيّة. فلقد ورد في صحيح مسلم عن أنس أنّ رسول اللّه "كان يصلي نحو بيت المقدس..." (صحيح مسلم: ج 1، 375؛ سنن أبي داود: ج 1، 340؛ مسند أحمد بن حنبل: ج 1، 325)، أو برواية الطبري: "كانوا يصلون نحو بيت المقدس، ورسول الله صلعم بمكة قبل الهجرة وبعدما هاجر رسول الله صلعم، نحوَ بيت المقدس ستة عشر شهرًا..." (تفسير الطبري: ج 1، 548؛ تاريخ الطبري: ج 2، 18؛ أنظر أيضًا الدر المنثور للسيوطي: ج 1، 343؛ سبل الهدى والرّشاد للصالحي الشامي: 370). أي أنّ بيت المقدس، وبحسب هذه الرّوايات، كانت هي القبلة الأولى للرّسول والمسلمين.

غير أنّنا لو واصلنا البحث
في هذه المسألة فسنرى أنّه لا يوجد إجماع حول هذه النّقطة، بل هناك رأيان بشأن القبلة الأولى. فهناك كثيرون يقولون إنّ القبلة الأولى هي الكعبة، ويذكرون أنّ رسول الله: "كان يصلي بمكة إلى الكعبة ثم أُمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة..." (الكشاف للزمخشري: ج 1، 100؛ تفسير البيضاوي: ج 1، 416؛ تفسير النيسابوري: ج 1، 355؛ فتح القدير للشوكاني: ج 1، 234). وها هو القرطبي يلخّص لنا هذا الخلاف: "واختلفوا أيضًا حين فُرضت عليه الصلاة أوّلاً بمكة، هل كانت إلى بيت المقدس أو إلى مكة، على قولين: فقالت طائفة: إلى بيت المقدس وبالمدينة سبعة عشر شهرا ثمّ صرفه الله تعالى إلى الكعبة، قاله ابن عباس. وقال آخرون: أوّل ما افتُرضت الصلاة عليه إلى الكعبة. ولم يزل يُصلّي إليها طول مقامه بمكة... فلما قدم المدينة صلى إلى بيت المقدس... ثم صرفه الله إلى الكعبة. قال أبو عمر: وهذا أصح القولين عندي." (تفسير القرطبي: ج 2، 150). وبكلمات أخرى، هنالك من يذهب إلى ترجيح هذا الرأي والقول إنّ الكعبة هي القبلة الأولى، وليس بيت المقدس. وكذا نستنتج أيضًا من رواية ابن عبّاس الّذي يذكر أنّ بداية الأمر كانت إلى البيت العتيق، ثمّ تحوّل إلى بيت المقدس وعاد بعدئذ إلى البيت العتيق: "استقبل رسول الله صلعم فصلّى نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق، ثمّ صرفه إلى بيته العتيق ونسخَها..." (تفسير ابن كثير: ج 1، 218)، أي أنّ البيت العتيق كان هو السّابق، وقد تركه الرّسول، ثمّ عاد إليه. بل هنالك من يصف الكعبة وبكلام صريح على أنّها هي بالذّات "أقدمُ القبلتين." (تفسير البيضاوي: ج 1، 420؛ تفسير ابن عجيبة: ج 1، 115).إذن، يتّضح ممّا أوردنا من آراء السّلف أنّه لا يوجد إجماع بشأن أوّلية القبلة لبيت المقدس، رغم شيوع هذه المقولة على الألسن وفي الكتابات في هذا الأوان.

وإذا لم يكن ثمّ إجماع بشأن القبلة الأولى،
فليس ثمّ إجماع أيضًا على السؤال، إنْ كان التّوجّه بالصّلاة نحو بيت المقدس قد جاء بأمر من الله أم بتخيير من لدنه. فهنالك من يقول بالتّخيير، كما يذكر الطبري: "قال الربيع قال أبو العالية: إن نبي الله صلعم خُيّر أن يوجّه وجهه حيث شاء فاختار بيت المقدس..." (تفسير الطبري: ج 2، 3). لكن، وفي الوقت ذاته، ثمّ روايات أخرى تقول بأنّ الاتّجاه نحو بيت المقدس كان بأمر إلهي، كما يظهر من الرواية التالية: "أنّ رسول الله صلعم لما هاجر إلى المدينة... أَمَرَه اللهُ أن يستقبلَ بيت المقدس..." (تفسير ابن كثير: ج 1، 458 ؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 1، 343؛ لباب النّقول في أسباب النّزول للسيوطي: ج 1، 16). وقد أثارت هذه المسألة نقاشات واسعة لأنّ لها علاقة بأمور عقائديّة، ليس هنا المجال للدّخول فيها.

ليس هذا فحسب،
بل لو أمعنا النّظر مليًّا في الرّوايات الإسلاميّة سنرى أنّ الاتّجاه بالصلاة ليس هو نحو جهة بيت المقدس بصورة عامّة، وإنّما هو، في حقيقة الأمر، نحو نقطة بعينها، وهي نقطة محدّدة بدقّة في بيت المقدس. وهذه النّقطة المحدّدة هي الصخرة، كما نقرأ لدى الطّبري: "أن النبي صلعم كان يستقبل صخرة بيت المقدس... " (تفسير الطبري: ج 2، 3؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 1، 343؛ انظر أيضًا: الكشف والبيان للثعلبي: ج 1، 259). ومثلما نقرأ أيضًا: "لأن رسول الله صلعم كان يصلي بمكة إلى الكعبة ثم أُمرَ بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة..." (الكشاف للزمخشري: ج 1، 100؛ تفسير البيضاوي: ج 1، 416؛ تفسير النيسابوري: ج 1، 355؛ فتح القدير للشوكاني: ج 1، 234). بكلمات أخرى، فإنّ الاتّجاه بالصّلاة هو نحو نقطة بعينها في بيت المقدس، وهي الصّخرة.

مهما يكن من أمر،
فلا شكّ أنّ ثمّة إجماعًا في التّراث الإسلامي على أنّ القبلة قد تحوّلت إلى الكعبة بعد ستّة عشر أو سبعة عشر شهرًا من هجرة الرّسول إلى المدينة. وكان هذا التّحويل، على ما تذكر الرّوايات الإسلاميّة، هو بداية إبطال مفعول أوامر سابقة نصّ عليها الإسلام في بداية عهده، أو هو: "أوّل نسخ وقع في الإسلام" (سيرة ابن كثير: ج 2، 372؛ تفسير ابن كثير: ج 1، 218)، أو أنّ: "أوّل ما نُسخ في القرآن القبلة..." (تفسير الطبري: ج 2، 3؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 1، 343 ؛ سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي: 370).ممّا ذكرنا أعلاه، واستنادًا إلى الروايات التي حفظها لنا التّراث العربي والإسلامي، نرى كلّ هذا التّخبّط الواضح في مسألة جوهريّة، خاصّة وأنّها تتعلّق بمسألة أساسيّة، مسألة الصّلاة ووجهتها. وما من شكّ في أنّ هذا التّخبّط يدلّ على تناقُض واختلاف في الرّوايات، وهو أمر يشير في نهاية المطاف إلى تَطوّر في مجريات الأحداث والعبادات في المرحلة الإسلاميّة الأولى. أليس كذلك؟

والعقل وليّ التّوفيق!*
في المقالة القادمة سأتطرّق إلى السؤال، لماذا بيت المقدس ولماذا الصّخرة بالذّات؟ فانتظرون!

***
نشرت المقالة في: "شفاف الشرق الأوسط"

_________________________________________
مقالات هذه السلسلة: 

المقالة الأولى: "هل القدس حقًّا هي أولى القبلتين؟"
المقالة الثانية: "لماذا استقبال بيت المقدس في الصّلاة؟"
المقالة الثالثة: "لماذا استقبال قبلة اليهود بالذّات؟"
المقالة الرابعة: "من هو النّبي الأمّي؟"
المقالة الخامسة: "لماذا حُوّلت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة؟"
المقالة السادسة: "المصير الذي آل إليه يهود جزيرة العرب"
المقالة السابعة: "إكسودوس بني النضير"
المقالة الثامنة: "محرقة بني قريظة 1"
المقالة التاسعة "محرقة بني قريظة 2"
المقالة العاشرة: "ماذا جرى مع يهود خيبر؟"
المقالة الحادية عشرة: "إجلاء اليهود من جزيرة العرب"
المقالة الثانية عشرة: "سبحان الذي أسرى"
المقالة الثالثة عشرة: "إلى المسجد الأقصى"
المقالة الرابعة عشرة: "سبحان الذي أسرى بعبده إلى الهيكل اليهودي"

***
***

صُوَر




سلمان مصالحة


صُوَر


الشَّارِعُ الـمَرْصُوفُ بِالأَوْهَامِ
كَالـْحُلُمِ الـمُبَاحْ،
النَّائمُونَ عَلَى فِرَاشِ هَوَانِهِمْ،
وَالسَّاهِرُونَ عَلَى رَصِيفٍ
مُسْتَبَاحْ. النَّادِبُونَ
لِـحَظِّهِمْ، وَالبَاحِثُونَ عَنِ
الفَلاحْ. الـْكَاتِمـُونَ
صَلاتَهُمْ بِصُدُورِهِمْ،
وَالعَابِرُونَ مَعَ الرِّيَاحْ.
الزَّوْرَقُ الـمَـنْسِيُّ عِنْدَ النَّهْرِ
فِـي وَضَحِ الصَّبَاحْ -
صُوَرٌ مِنَ الـمَنْفَى، رَمَاهَا
اللَّيْلُ فِـي دَرْبِـي وَرَاحْ.

يَا أَيـُّهَا اللَّيْلُ الَّذِي
نَسِيَ النَّدَى فِـي خَافِقِي،
خُذْنِـي إلَى بَلَدٍ
تَوَشَّحَ بِالرَّدَى.
جَسَدِي
نُواحْ.

*


من مجموعة: لغة أم، منشورات زمان، القدس 2006


***

لترجمة إنكليزية، اضغط هنا.

لترجمة فرنسية،
اضغط هنا.




حرباوات عرب 48

سلمان مصالحة

حرباوات عرب 48

الشّيوعيّون العرب، وعلى وجه الخصوص
من صنف هؤلاء وأتباعهم المنضوين تحت راية ما يسمّى الجبهة الدّيمقراطيّة للسّلام والمساواة، والّذين أقسمت قيادتهم ونوّابهم يمين الولاء لدولة إسرائيل، هم من أسوأ المدمنين الشّيوعيّين على رفع الشّعارات الكاذبة. إنّ هؤلاء، ولإدمانهم على تدخين الشّعارات الّتي نفخها فيهم سدنة الكرملين من الضّالّين غير المغفور لهم، أضحوا في حال يرثى لها. إذ أنّهم لم يجدوا، بعد أن تهاوت صروح أولئك الّذين زوّدهم بوجبات الشّعارات التّخديريّة، من سبيل لإشباع أنفسهم غير سبيل البحث عن القراعيم. والقراعيم، جمع قرعومة بلغتنا المحكيّة، هي أعقاب السّجائر المرميّة، بعد استنفاد المدخّن جرعات النّيكوتين منها.

لقد شاءت الأقدار
أن انفرط عقد "منظومتهم الاشتراكيّة" مثلما أدمنوا على إشاعة تسمية تلك الدّول الّتي سارت في ركاب "بيت-عزّهم" السّوڤييتي الّذي اندثر فلم يبق له أثر. وكعادة المدمنين الّذين لم يجدوا مصحّات للفطام من شعاراتهم، تراهم ملقيّين على قارعات الطّرق أو تجدهم يبحثون، في بعض ما تبقّى من براميل القمامة الشّيوعيّة المتناثرة على أطراف العالم، عن أعقاب سچائر يشفون بها ظمأ إدمانهم. وهكذا على سبيل المثال تراهم يشيدون في صحفهم الصّفراء ومواقعهم الحمراء البلهاء بنظام كوريا الشّماليّة، لا لشيء سوى أنّه يُخيَّل لجهلائهم أنّ مثل هذه الأنظمة يعادي أميركا والرأسماليّة ويؤمن بالاشتراكيّة. في حين يعلم كلّ من يمتلك ذرّة من عقل في هذا العالم أنّ هذا النّظام الكوري الشّمالي هو أسوأ نظام بقي على وجه الأرض، من ناحية تأليه الزّعيم وتوريث الرئاسة واستعباد النّاس وإفقارهم إلى أبعد الحدود. لقد حقّ في هؤلاء المدمنين القول أنْ تبدّلَ العالمُ وما بُدّلوا تبديلا.
نودّ التأكيد أوّلاً
على أنّه لا بأس في الاعتراض بشدّة أو رفض وإدانة السّياسات الأميركيّة، بل ربّما كان من واجب ذوي العقول المتنوّرة والحرّة الّتي تنشد الخير الاعتراض على تلك السّياسات الغبيّة وخاصّة تلك الّتي تأتي من قرائح محافظي بوش الجدد وأمثالهم المتعولمين. غير أنّ هذه الفئة من الشّيوعيّين وأتباعهم الجبهويّين من فلسطينيّي إسرائيل (عرب 48، عرب الدّاخل، عرب إسرائيل، وما شئتم من تسميات...)، ولشدّة إدمانهم الشّعارات المتوارثة كابرًا عن كابر فإنّهم لا يفرّقون بين الخير والشرّ في هذا العالم. فالشّعار الّذي ترعرعوا عليه شبّوا عليه وها هم يشيبون عليه. لقد أدمنوا على جرعات الغباء الّتي رضعوها من "منظومتهم" من المهد، ويبدو أنّهم سيحملونها في جعبتهم إلى اللّحد.

وعلى سبيل المثال،
يعلمُ كلّ إنسان بسيط يتّسم بالبديهة الخَيّرة من أهلنا في هذا الوطن أنّ القضاء على نظام صدّام التّكريتي الظّالم هو عملٌ خَيّرٌ، بينما التنفيذ وما جرى ويجري في ساحة العراق الآن هو شرّ. هذه هي المعادلة، غير أنّ المدمنين على شعارات المفروطة "الاشتراكيّة"، غير المأسوف عليها، لا يعترفون بحقيقة هذه المعادلة. بل إنّك تقرأ في صحافتهم مديحًا وإشادات بما يسمّونه زورًا وبهتانًا "مقاومة". الإرهاب الّذي يفجّر الكنائس والمساجد والأسواق على من يؤمّها من النّاس البسطاء الأبرياء، من جميع أطياف أبناء العراق على جميع مللهم ونحلهم، في المدن العراقيّة ليس "مقاومة" وليس "شريفة" بأيّ حال ولا يمكن أن يكون كذلك، أيّها الدجّالون الكذبة. إنّما هو جرائم تقشعرّ لها الأبدان مهما حاول الكذبة تلميعها.
وشيء آخر يجب قوله لهؤلاء الدّجالين
من رافعي شعار الأمميّة في حين أنّ الأمميّة منهم براء: كيف ينظر هؤلاء إلى أنفسهم في المرآة وهم يتشدّقون بفلسطينيّتهم ويرفعون صوتهم ضد الاحتلال الإسرائيلي من أجل رفع الضّيم والظّلم عن الشّعب الفلسطيني (والظّلم الإسرائيلي للفلسطينيّين هو أمر واقع ويجب محاربته كما يجب كنس الاحتلال من المناطق الفلسطينيّة المحتلّة، وهذا واجب على على كلّ إنسان حرّ وصاحب ضمير)، ولكنّهم في الوقت ذاته يدافعون عن نظام على شاكلة النّظام السّوداني وعصابات عُرْبانه الّتي شرّدت أكثر من مليونين وقتلت أكثر من مائتي ألف إنسان من أهل دارفور في السّنوات الأخيرة؟ أليس أهل دارفور جزءًا من هذه الأمميّة الّتي يدّعيها هؤلاء الدّجّالون؟ أم أنّهم، في ما يتعلّق بأهل دارفور ذوي البشرة الأشدّ سمارًا، عنصريّون عروبيّون قد ترعرعوا على بذاءات شاعرهم ورمز عروبتهم البليدة الّذي شحنهم بمقولة: "إنّ العبيد لأنجاس مناكيدُ"؟


إنّ هؤلاء بتوجّهاتهم هذه
إنّما يكشفون عن حقيقة لا يمكن كنسها وإخفاؤها تحت بساطهم المُهترئ. إنّهم في قرارة أنفسهم، وبما تنضح به صحفهم ومواقعهم، يشهدون على أنّهم أصوليّون وسلفيّون، بل وعنصريّون عروبيّون. وهم بذلك ليسوا بأقلّ سوءًا من المتأسلمين القدماء والجدد الّذين يعيثون فسادًا في المجتمعات العربيّة وفي ما سواها. ولأنّهم أصوليّون وسلفيّون فإنّك تراهم أو تقرأ في صحافتهم كلّ ذلك التّغامز والتوادد مع الأصوليّين الإسلاميّين، أو مع القبليّين العربان في كلّ مكان: "هنالك قوى أصولية دينية تناضل ضد العدوان والاحتلال، وهي أشرف من كل اليسار المدّعي والمزيف"، مثلما يصرّح أحد زعمائهم في صحافتهم. أليست مقولته هذه تكشف بالضّبط أنّه هو الّذي يمكن تسميته بـ "اليساري المزيّف"، المتزلّف للأصوليّة؟
لقد نسي هؤلاء الشّيوعيّون والجبهويّون،
أو تناسوا، شعاراتهم الأخرى الّتي طالما رفعوها في الماضي، مثل شعار "الدّين أفيون الشّعوب". لقد نسي هؤلاء أو تناسوا، أنّ من بين أهمّ الأسباب الّتي "فَسْقَلَتْ" وذرّرت أبناء المجتمع العربي في إسرائيل هو ظهور الحركة الإسلاميّة الّتي بدأت مدعومةً من الحكومات الإسرائيليّة بغرض ضرب التّوجّهات الوطنيّة الوحدويّة الديمقراطيّة والمنفتحة على العالم، الّتي كانت لدى شرائح صادقة من أبناء الجمهور العربي ولدى بعض القيادات السّابقة، رغم الكثير من التّحفّظات الّتي لدينا على تلك القيادات أيضًا. لكن يبدو أنّ خلفاء هؤلاء ولشدّة إدمانهم الشّعارات، ولاختفاء بعض الوجوه المسؤولة من السّاحة، فقد أضحت الشّعارات في ذهنيّاتهم مخدّرًا يفقدهم صوابهم، فتراهم في كلّ واد يهيمون، يقولون ما لا يفهمون. لذلك أيضًا تراهم يسارعون إلى الزّجّ بأنفسهم في منافسات عقيمة مع المتقومجين الجدد، فرسان فضائيّات الزّعيق، أو أنّهم يتودّدون إلى إسلاميّين جدد، من عربان أيديولوجيّات الحريق.

كيف نصف، إذن، حال هؤلاء؟
لا شكّ أنّهم الأكثر شبهًا بالحرباء. والحرباء هي هذا المخلوق الّذي طالما شدّ انتباهنا في سني طفولتنا لتلوّنه بلون الجسم الّذي يقف عليه، أو في بيئته، اتقّاء الافتراس. وفي بعض الأحايين تتشكّل الحرباء بلونين مختلفين من جانبيها. هذه هي حال هؤلاء أيضًا، فإنّهم في كثير من الأحيان يصرّحون بالعربيّة شيئًا واحدًا، ثمّ يقولون خلافه عندما يأتي التّصريح بالعبريّة. إنّهم، على ما يبدو، قد ذوّتوا جوهر مقولة "لكلّ مقام مقال"، أو أنّهم قد انطبعوا منذ نعومة أظفارهم بطبيعة الحرباوات المتلوّنة.
أليس كذلك؟

*
في المقالة القادمة سنشرح لكم معنى الآية:
"لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النّاسِ غَباءً الّذِينَ تَشَيَّعُوا فَقالُوا إنّا شُيوعيّون جبهويّون فلسطينيّون إسرائيليّون".


***
نشرت في إيلاف، مارس 2007

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



لَتَجِدَنّ أَشَدّ النّاس غَباءً


في المقالة السّابقة
تطرّقت إلى مسألة الشّعارات الّتي أدمنت عليها بعض القيادات والمتنفّذين في الجبهة الديمقراطيّة والحزب الشّيوعي الإسرائيلي، وهي الشّعارات البعيدة كلّ البعد عن الأمميّة والعلمانيّة اللّتين يدّعيانهما. وقد يسأل سائل: ألم تكتب بأنّك ستمنح صوتك في الانتخابات الإسرائيليّة السّابقة للجبهة الدّيمقراطيّة؟ والجواب على ذلك: بلى، ولا أنكر ذلك. بل وقد نشرت هذا الكلام هنا في "إيلاف"، وقد تمّ نقل المقالة بعد ذلك وتوزيعها في النّاصرة والجليل وبلدات أخرى عشيّة الانتخابات بعد استئذاني بعمل ذلك. ولكنّى أكّدت في المقالة، ويمكن العثور عليها في أرشيف "إيلاف"، على أنّي سأمنح صوتي للجبهة لأنّها "الأقلّ سوءًا" من بين سائر الأحزاب الموجودة على السّاحة، وذلك لكون الجبهة: "بما تمثّله من توجّهات على الصّعيد الإسرائيلي العام، سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، هي الخيار الأقلّ سوءًا" (أنظر المقالة).

لقد كتبت ذلك لأنّ الحقيقة هي أنّ كلّ الأحزاب القائمة على السّاحة سيئّة، ولذلك فأنا أنتخب "الأقلّ سوءًا" لكي لا يذهب صوتي، إن أنا امتنعت عن التّصويت، للأحزاب الكبيرة الحاكمة، كما هي الحال في قواعد الانتخابات النّسبيّة الإسرائيليّة. والتّأكيد هو على "الأقلّ سوءًا"، غير أنّ منحي صوتي لـ"الأقلّ سوءًا" لا يجعل الجبهة وقيادتها وصحفها فوق النّقد، بل يعني أنّ ثمّ أمورًا سيئّة فيها أيضًا، وفيها الكثير من ذلك. وهي أمور لا يمكن كنسها تحت بساط الشّعارات الّتي أضحت كاتمات عقول لدى البعض، ظنًّا من هؤلاء أنّهم وبمجرّد التّزنُّر بالشّعارات يسقطون عن أنفسهم إمكانية التعرّض للنّقد، بينما الحقيقة هي خلاف ذلك تمامًا.
وسنكشف للقرّاء الآن بعضًا
من غباء بعض تلك القيادات والمتنفّذين في هذه الجبهة وصحافتها. ولأنّ هؤلاء البعض يدّعون مواكبة العصر فقد أفردوا لحزبهم وجبهتهم وصحافتهم موقعًا في هذه الشّبكة. إنّهم يدّعون بكونهم منبرًا حرًّا وتعدّديًّا، وأنّّهم يؤمنون بحريّة التّعبير وما إلى ذلك من شعارات، غير أنّ هذه الادّعاءات سرعان ما تسقط في مواجهة الواقع. فها هم يصرّحون في الخفاء بأنّ هنالك: "قواعد معيّنة نتّبعها في التّعامل مع الموادّ المنشورة في موقع الجبهة، تستند إلى رؤى سياسيّة تقرّها قيادة الجبهة". وعندما تسأل هؤلاء عن هذه القواعد والرّؤى فإنّهم لا يحيرون جوابًا، وكأنّ القواعد والرؤى السّياسيّة للأحزاب تنتمي إلى عالم الغيب؟

لقد نسي هؤلاء أنّ للإنترنت فضائل لا يعرفونها. إذ إنّ المتصفّح ذا البصر والبصيرة سيكتشف أنّ الأمّيّة أقرب إلى هؤلاء من الأمميّة. إذ لو أنّهم كانوا يقرؤون ما نقرأ من هذه "المواقف والرّؤى الّتي تقرّها قيادة الجبهة"، كما يدّعون، ويمكن الوصول إليها عبر موقعهم، لكانت هذه القيادة وإدارات صحافتها ومحرّريها قد اختفت عن الأنظار، ومن زمان.
فعلى سبيل المثال، تراهم يتشدّقون صباح مساء بقيادتهم، صاحبة الصّون والعفاف، ولهذا الغرض يتزيّون بكلّ ما هو شعاراتي كعادة المدمنين عليها، فيفردون للقارئ إحالات إلى كُتّاب مقالات يعتزّون بهم لمجرّد كونهم فلسطينيّين لا غير. غير أنّ من يقرأ عميقًا في موقع "أصحاب المواقف والرّؤى السّياسيّة" سيكتشف في الحال أنّه أمام أناس أقلّ ما يمكن أن يقال عنهم هو أنّهم على درجة من الغباء والأميّة يصعب الوصول إليهما.
ولماذا أقول هذا الكلام؟
لقد أفردوا في صدارة موقعهم صورًا لقياداتهم الّتي فارقت الحياة وإحالات إلى سيرهم إجلالاً منهم لهذه القيادات. ولا بأس في ذلك، فقد عرفت بعضها إذ ربطتني بها علاقات شخصيّة، كما أكنّ للبعض منها احترامًا حقيقيًّا، رغم أنّي كنت قد أسمعتها شخصيًّا، وفي أكثر من مناسبة ولقاء، تحفّظي من بعض مواقفها وسلوكيّاتها، وليس هنا المجال لتفصيل تلك اللّقاءات والمشاهد والتّحفّظات. إنّهم يرفعون هذه الشّخصيّات بمثابة شعار فحسب، إذ أنّ القارئ النّبيه سيصل في موقعهم ذاته وخلف تلك الشّعارات إلى أمور من نوع آخر.
لنقرأ، على سبيل المثال فحسب،عن بعض ملابسات ما جرى أيّام النّكبة والمواقف المتلوّنة والمتبدّلة للشّيوعيّين بين ليلة وضحاها، ممّا يصل إليه القارئ عبر موقعهم. يذكر أحد الكتّاب المميّزين: "حينما أعلنت الهيئة العربية العليا معارضتها لقرار التقسيم، أصدرت عصبة التحرر الوطني،وهي الجناح العربي في الحزب الشيوعي، أصدرت بياناً تمتدح فيه المفتي،وتسمي قراره بمحاربة التقسيم بأنه انتفاضة قومية رائعة. وصفق الناس يومها للشيوعيين.ولكن الشيوعيين العرب كانوا غافلين. ففجأة تغير موقف الاتحاد السوڤيتي وأعلن موافقته على التقسيم. وإذا الشيوعيون العرب الذين كانوا ينادون بوحدة فلسطين واستقلالها ينادون بتقسيمها. وإذا الحزب الشيوعي ينشقّ على نفسه. وإذا إميل توما وبولس فرح يعارضان التقسيم، بينما فؤاد نصار وطوبي وحبيبي يؤيدونه. ويركض فؤاد نصار قائد الشيوعيين إلى أبراهام بن صور المبامي الصهيوني ويحاول إقناعه بأن التقسيم أفضل من الدولة الثنائية الموحدة التي كان ينادي بها المبام. هكذا مسح العباقرة العرب الشيوعيون ما قالوه بالأمس، فسبحان مبدل الأحوال!".

كما أنّ إميل توما ذاته لا يسلم من سياط الكاتب الّذي يتزيّن به الموقع. فلنقرأ معًا، إذن، كلمات الكاتب: "ولنرجع إلى التاريخ مرة أخرى: السنة 1948، الشهر آذار، المكان حيفا، الشيوعي إميل توما عضو في اللجنة القومية في حيفا. إميل يجتمع سراً مع قادة صهيونيين!. وقد يدعي إميل أنه كان يريد إحلال هدنة في حيفا. ولكن الناس سامحهم الله، يسيئون الظن دائماً، وهم يقولون إن إميل كان يسلم أسرار العرب للصهيونيين الذين يجتمع بهم...". بهذه اللّغة يهاجمه الكاتب الّذي يتشرّف به أصحاب "المواقف والرؤى الّتي تقرّها قيادة الجبهة". وهذا الكلام مميّز لديهم، ليس لأنّهم يؤمنون بحريّة التّعبير، فهم لم يكونوا في يوم من الأيّام كذلك. إنّما هو موجود لديهم لأنّهم، من جهة، قد أدمنوا على الشّعارات فحسب، ولأنّهم لا يقرؤون ،من الجهة الأخرى. سأكتفي بهذا القدر من الاقتباسات الآن، وهنالك أمور كثيرة أخرى ووكلام وكتابات تتعرّض إلى مواقف وسلوكيّات شخصيّات مركزيّة، مثل إميل حبيبي، صليبا خميس، عصام العبّاسي وغيرهم.
لم أرغب في ذكر
اسم كاتب المقال المذكور أعلاه، وذلك لسببين: أوّلاً، لكي لا يسارع المحرّرون إلى شطب هذه الموادّ من موقعهم، ونحن نريد من القرّاء أن يطّلعوا عليها قبل أن تُشطَب، لكي يتعرّف القارئ على منسوب غبائهم. وثانيًا، لأني أرغب في إرغامهم على القراءة، بل وإرغامهم على تخصيص طاقم يكدّ بحثًا في أرشيفهم عن هذه "الرّؤى الّتي تقرّها قيادة جبهتهم ومحرّري صحافتهم ومواقعهم.
فماذا يمكن أن يُقال، إذن، عن هؤلاء؟ لو قُيّض لجحا أن ينشئ صحيفة أو موقعًا لكان أكثر ذكاءً منهم.
ورغم كلّ ذلك،
ولكي لا يُفهم كلامي على التّعميم، أقول إنّه ما زال هناك بعض المنتمين للجبهة والحزب، من صنف أولئك الّذين يعملون بجديّة وبصدق لمصلحة النّاس، بعيدًا عن الشّعارات المتقومجة الّتي تذهب أدراج الرّياح، أو أدراج الأثير الفضائي العروبي القادم من أكبر قاعدة عسكريّة أميركيّة في الشّرق الأوسط، بوق واضعي نظريّات "الفوضى البنّائة". فإذا كان الرّفاق والشباب المنفتحون الصّادقون، والأوفياء إلى مبادئ الأمميّة والعلمانيّة ممّن ينتمون إلى هذا الجسم يشعرون بالحرج من هذا الهرج، فما عليهم سوى الاحتجاج على ما تقوم به بعض قياداتهم وبعض المتنفّذين في صحافة الجعجعة البلهاء الّتي يحرّرونها. وإذا كانوا يريدون خيرًا للنّاس في هذا الوطن، فما عليهم سوى العمل على إحالة جميع هؤلاء المجعجعين وأمثالهم إلى التّقاعد. لأنّهم إنْ لم يفعلوا ذلك يصبحون مسؤولين عن كلّ ما يجري خلف ظهورهم وباسمهم.
وأمر أخير نودّ التأكيد عليه،وعلى مسمع من جميع هؤلاء ومن لفّ لفّهم من مدمني الشّعارات الكاذبة: لا يمكن للأقليّة العربيّة الفلسطينيّة في إسرائيل، والّتي تناضل وبحقّ من أجل الحفاظ على حقوقها في وطنها ضدّ السّياسات العنصريّة الإسرائيليّة، إلاّ أن تكون نصيرة لكلّ الأقليّات الّتي تناضل من أجل حقوقها في أوطانها، كالأكراد في سوريا والعراق وتركيا وإيران، وكألأقباط في مصر، وكأهل دارفور في السّودان، وكالأمازيغ وغيرهم في دول المغرب وسائر الأقليّات في البلاد العربيّة، أو كأيّ أقليّة أخرى مضطهدة على وجه الأرض. كما لا يمكن للأقليّة العربيّة الفلسطينيّة في إسرائيل أن تكون في جانب نظام قمعي كالنّظام البعثي العروبي العنصري، مثال الّذي رحل إلى غير رجعة من بلاد الرّافدين، أو كنظام البعث الّذي يلاحق ويسجن خيرة المثقّفين السّوريّين، والّذي سيرحلُ هو الآخر عاجلاً أم آجلاً من بلاد الشّام، مثلما رحل عن لبنان.
نحن نؤمن بالحريّة لنا ولغيرنا، كما أنّنا ننشد الخير لنا ولغيرنا إذ أنّ المبادئ الإنسانيّة في نهاية المطاف لا يمكن أن تتجزّأ. بل على العكس من ذلك تمامًا، هذا هو المعنى الحقيقي للأمميّة. هذا إذا كنّا نؤمن بها حقًّا ولا نرفعها كمجرّد شعار يتلاشى مع هبوب كلّ نسمة قومويّة أو إسلامويّة، بغية منافسة شعاراتيّة مع تيّارات ظلاميّة أخرى ظهرت على السّاحة.


وَالعَقْلُ وَلِيُّ التّوفيق.

***
نشرت في إيلاف، مارس 2007



الشيخ سلمان بن صليبي آل مصالحة يردّ على الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم


سلمان مصالحة ||

رسالة القمّة إلى القاع


الشّيخ سلمان بن صليبي آل مصالحة، حاكم إمارة "من جهة أخرى" الافتراضيّة، يردّ على الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم إمارة "دبيّ" الحقيقيّة.

غيث الرّوح



سلمان مصالحة

غيث الرّوح


(إلى نادر في عرض بحر الشّبكة)


كَفكِفْ دُموعَكَ غَيْثُ الرُّوحِ يَنْهَمِلُ
فَلَيْسَ هُناكَ غَمَامٌ أيُّها الرّجُلُ

إنَّ الّذِينَ سَأَلْتَ اللّهَ يَحْفَظَهُمْ
قَدْ غادَرُوا وَتَوَلَّى أَمْرَهُمْ زُحَلُ

لَوْ كانَ مِنْ حَجَرٍ ذاكَ الّذي رُفِعَتْ
مِنْ أَجْلِهِ دَعَواتُ الطِّفْلِ تَبْتَهِلُ

لَانْزَاحَ عَنْ عَرْشِهِ المَهْزُوزِ مِنْ خَجَلٍ
لكِنَّهُ حَجَرٌ يُرْجَى فَلَا يَصِلُ

لَا النّاسُ تَعْرِفُ أَنَّ الوَهْمَ سَيِّدُهَا
مُذْ أَوْجَدَتْهُ عَلَى أَفْعَالِهَا تَكِلُ

وَلَا تَعُودُ إلَى الرُّشْدِ الَّذِي تَرَكَتْ
فِي غَابِرٍ كَشُعَاعِ الشَّمْسِ يَمْتَثِلُ

لَا زالَ فِي جُعْبَتِي سَهّمٌ سَأُطْلِقُهُ
يَوْمًا يُثِيرُ خَلايَا العَقْلِ يَنْتَضِلُ

يَوْمًا يَكُونُ إذَا مَا عِشْتُ أَجْعَلُهُ
لِلنّاسِ عِيدًا وَحِيدًا نَبْضُهُ أَمَلُ



يناير 2009
***










عدوان في حفرة واحدة

سلمان مصالحة

عَدُوّان في حفرة واحدة

إنّ إحدى أعوص القضايا
الّتي تواجه المجتمعات العربية التي يشكل الإسلام عمودها الفقري هي انعدام ثقافة حساب النّفس. تجدر الإشارة إلى أنّه، وبخلاف مجتمعات أخرى التي تشكّل آليات حساب النّفس ركيزة هامّة في حضارتها ما يمكّن من إجراء تصحيح ذاتي، لا نعثر في المجتمعات العربية على آليات من هذا النّوع. فلا الدّين يزوّد هذه الآليّات، ولا الأنظمة الفاسدة معنيّة بآليّات كهذه، ولا رجال الفكر العرب، ما عدا قلّة قليلة منهم، يزوّدون المجتمع بهذه البضاعة. لقد قضى الشاعر الفلسطيني محمود درويش نحبه منذ مدّة، ولن يستطيع التّطرُّق إلى حرب غزّة الآن. غير أنّه، وقبل أن يفارق الحياة، كان قد نشر، في تموز 2008، قصيدة بعنوان "سيناريو جاهز"، يرسم فيها خطوطًا لسيناريو مفترض عن عدوّين يجدان نفسيهما داخل حفرة. الأوّل هو الشّاعر ذاته الذي يرمز إلى الفلسطيني، والثّاني هو "العدو"، بـ أل التّعريف، دون أن يذكر هويّة هذا العدو. إذ أنّ القارئ سيعرف لوحده من هو العدو المقصود.

وها هي حفرة غزّة
تفغر فاها على مصراعيه ويسقط فيها العدوّان. وها هو الفلسطيني يجد نفسه عاجزًا أمام حالة الكذب على الذّات. ففي مقالة نُشرت في صحيفة "الأيّام" الفلسطينيّة يستهجن الكاتب الفلسطيني هاني المصري شحوب ردّ الفعل الفلسطيني في الضفّة الغربيّة إزاء أهوال القتل والهدم في غزّة: "التحركات الشعبية التي شهدتها الضفّة حتّى الآن، ونحن في اليوم الرابع عشر للعدوان، لم ترتق الى مستوى التلاحم بين الشعب الواحد ولا الى مستوى شلال الدم النازف والمجازر اليومية، وكانت أشبه بالتضامن الذي يجري في أي بلد من بلدان العالم، بل ان الكثير من بلدان العالم تضامنت مع غزة بشكل أقوى من خلال المظاهرات المستمرة المليونية وباشكال متنوعة أوسع كثيرًا مما حدث في الضفّة"، كما يكتب هاني المصري (الأيّام، 10 يناير 2009).

مرّة تلو أخرى تتعالى أصوات
المراثي الفلسطينية على المصير الّذي آل إليه الفلسطيني دون أيّ محاولة لإجراء حساب نفس حقيقي. "نحن عاجزون.. نحن منهزمون.... فاعذرونا يا أطفالنا الموتى"، يكتب عبد الله عواد، في صحيفة "الأيّام" ويُطلق سهام النّقد باتّجاه القيادات الفلسطينيّة: "لماذا لا يذهب مشعل وعباس لغزة؟... هذا ليس سؤالاً خاصاً، وانما سؤال الشعب، سؤال الناس. وهو يقوم على فرضية ان القائد يكون بين شعبه.. دائماً وابداً. ليست شاشة التلفاز مكاناً للقادة ولن تكون، وإنما مكانهم بين شعبهم.. وناسهم.. ومقاتليهم. وحتى اللحظة لم يظهر اي قائد بين المقاتلين او بين الناس"، يصرخ عواد (الأيّام، 8 يناير 2009). أمّا الكاتب الفلسطيني علي الخليلي فيتأسّى على أنّ العرب والفلسطينيّين قد تركوا دور الضحيّة، وأنّهم تركوا هذا الدّور للقاتل الذي يمتلك كلّ هذه القوّة. "والأنكى من ذلك"، يكتب الخليلي هو: "أن يرى العالم، إلا القليل والمهمش منه، هذه الرؤية الإسرائيلية ذاتها، فينقلب الجلاد الواضح بكل جبروته المزلزل، والمتحفز لمزيد من القتل والإبادة، على مدار الساعة، إلى ضحية لا حول لها ولا قوة، إلى الحدّ الذي تستدر فيه العطف والرثاء." (الأيّام، 8 يناير 2009). ثمّ يعود الخليلي ويؤكّد على إنّه يريد استغلال "محرقة" غزّة من أجل إعادة دور الضحيّة إلى الفلسطيني، لأنّ هذا هو الدّور المخصّص بنظره للفلسطيني مقابل القتلة الإسرائيليّين: "الآن، في محرقة قطاع غزة، هل نشهد صحوة لهذا الهدف، فنرفع الضحية التي هي نحن، إلى منصة القضاة، في مواجهة القتلة والجلادين؟".

المثقّف الفلسطيني الوحيد
الّذي كتب نقدًا حادًّا ضدّ حماس هو الكاتب حسن حضر. للهجوم العدواني العنيف على غزّة، كتب حسن خضر، أهداف تتخطّى إحراز إنجازات عسكرية هنا وهناك يمكن لإسرائيل أن تصل إليها. إنّ الهدف من ذلك هو إجراء تجارب على الجيل الرّابع من الأسلحة وإجراء تجارب على تكتيكات حربيّة جديدة. كلّ هذه الظّروف للهجمة الإسرائيليّة قد وفّرتها حماس لإسرائيل. يعلم الإسرائيليّون أنّ اللّه حباهم بأعداء مثاليّين، يكثرون من الصخب والبلاغة، كتب حسن خضر، وأضاف: "لـم يكتمل نصاب الظروف الـمواتية نتيجة عطب أصاب الضمير في الإقليم والعالـم، أو حتى نتيجة شطارة الإسرائيليين،... بل اكتمل لأن ميليشيا حماس، لـم تُبق على حلفاء ولا أصدقاء للفلسطينيين شعباً وقضية، وفعلت كلّ ما من شأنه إقناع منْ لـم يقتنع بعد بأن الفلسطينيين هم، في الواقع، غولياث. وبالتالي فهم يحتاجون إلى تدبير أمرهم بالقوّة." (الأيّام، 6 يناير 2009).

السّطور الأخيرة من القصيدة-
السيناريو الّذي نشره درويش قبل رحيله تنتهي هكذا: "ههنا قاتلٌ وقتيل ينامان في حفرة واحدة / وعلي شاعر آخر أن يتابع هذا السيناريو / إلى آخره". وها هو، وعقب الحرب في غزّة، يأخذ شاعر فلسطيني آخر، سميح القاسم الذي يعتبر نفسه شاعرًا وطنيًّا قوميًّا - وهو مواطن إسرائيلي وفي قائمة المرشّحين الفخريّين لحزب الجبهة الديمقراطية لانتخابات الكنيست - على عاتقه إنهاء السيناريو. ففي قصيدة بعنوان "موعظة لجمعة الخلاص" يكتب: "أنا ملكُ القُدسِ. لا أنتَ، ريتشاردْ!.../ أنا ملكُ القدسِ. من أوَّلِ النقْبِ حتى أعالي الجليلِ.../ فلملِمْ سيوفكَ. واحزِمْ دروعكَ. ريتشارد / وباشِرْ رحيلَكْ. / ستنزلُ أنتَ.. لأصعَدْ... / ... أنا ملكُ القدسِ. دعْ لي الصليبَ / ودعْ لي الهلالَ. ونجمةَ داوودَ. وارحَلْ... / إذا شئتَ. حيًّا. سترحَلْ / وإن شئتَ. مَيْتًا. سترحَلْ". (عن: موقع حزب "الجبهة الديمقراطية" الإسرائيلي، 10 يناير 2009) في مواجهة هذه البلاغة المزيّفة والكاذبة، تنتصب كلمات الكاتب الفلسطيني حسن خضر كالمنارة: "وإذا كان ثمة من كوميديا سوداء، فمن تجلياتها أن غولياث الـمزيّف يهدد غولياث الحقيقي بالويل والثبور وعظائم الأمور، معلنًا أن نهاية إسرائيل أصبحت وشيكة، بينما يسدد الأخير إلى أجساد الفلسطينيين اللكمة تلو الأخرى، والطلعة الجوية تلو الأخرى، ويبكي"، يُجمل حسن خصر كلامه (الأيّام، 6 يناير 2009). في قصيدة كان درويش قد نشرها عقب سيطرة حماس العنيفة على قطاع غزّة، ثمّة تطرُّق إلى الكذب الذّاتي الفلسطيني: "كم كَذَبنا حين قلنا: نحن استثناء! / أن تُصدّق نفسك أسوأُ من أن تكذب على غيرك"، كتب درويش (الحياة، 17 يونيو 2007).

وفي هذه اللّحظة الّتي أخطّ فيها
هذه الكلمات لا زالت مسرحيّة الدّم مستمرّة. يبدو أنّ الممثّلين والجمهور في هذه البقعة من الأرض لا زالوا يطلبون الكثير من الـ "أكشن" في هذه التّراجيديا الغير المنتهية. لذلك، ومن أجل إنهاء هذا السيناريو السّيّء الّذي يكتبه أناس سيّئون في ربوعنا، فإنّ هذا المكان بحاجة ماسّة، وأكثر من أيّ شيء آخر، إلى مُخرج شجاع وحكيم، ليس من صنف المخرجين السينيكاليّين من فصيلة الزّعامات الإسرائيليّة والفلسطينيّة، وذلك من أجل أن يضع هذا حدًّا لعرس الدّم الإسرائيلي الفلسطيني. ولأنّه لا يوجد مسرحيّون ومخرجون حكماء في ربوعنا، فعلى هذا المخرج أن يأتي من خارج هذا المكان، على شكل ضغط دوليّ شديد لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ولإقامة دولة فلسطينيّة في جميع المناطق المحتلّة منذ العام 1967، ودفع الجانب الفلسطيني والعربي إلى تذويت حقيقي للاعتراف بدولة إسرائيل، وذلك من أجل وضع حدّ لهذا الصّراع الدّموي. لأنّه بدون ذلك، فأغلب الظنّ أنّ هذه المسرحيّة التّراجيديّة ستخرج في رحلة عروض دمويّة في أطراف العالم الواسع.


القدس 12 يناير 2009
***

للمقالة المنشورة في الصحيفة "نوي زورتشر تسايتونغ" باللغة الألمانية، اضغط هنا.

المقالة في "شفاف الشرق الأوسط"


*

للمقالة باللغة الإنكليزية، اضغط هنا.

للمقالة باللغة العبرية، اضغط هنا.

للمقالة بالألمانية، اضغط هنا.



سألت الرب مغفرة


سلمان مصالحة
|| سألتُ الرّبَّ مغفرةً


(الإهداء: إلى روح أبي نواس، فقيد الشّعر العربي الأكبر)

تَنادَى النَّاسُ فِي عَجَبِ - عَلَى مَا ذَاعَ مِنْ كـَـرَبـِـي
فَكَـيْــفَ أَبـُـوحُ للدُّنـْـيـَـا - بـِبَلـْوَى أُمَّـــةِ الـعَـــرَبِ
أُنَـاسٌ حَيْــثُـمـا حـَـلـُّـوا - أَظَلُّوا الصِّدْقَ بِالكـَذِبِ
وَخَلُّوا الجَهْلَ يَرْكَبُهُمْ - وَشَدُّوا الجَهْلَ فِي الـقَـتَـبِ
يـُبَــاهـُـونَ الأَنَـامَ بِـــهِ - كَـعِلْـمٍ خُـطَّ فِي الكـُـتُـــبِ
إذَا الحَاسـُوبُ جَاءَهُمُـو - غَـدَا فِيهِـمْ كَمُحْـتَسِـبِ
فَلا يَدْرُونَ كـَيْفَ نَمَـتْ - خَلايَا العَقْلِ فِي التَّعَـبِ
وَفِى البَحْثِ الَّذِي ظَنُّوا - طِلابَ الـمـَاءِ وَالْعُشُـبِ
لأنَّ الطــَّبْـعَ يَغْـلِبُـهُـمْ - كَذَا جُبِلـُـوا عَلَى الـجَـرَبِ
فـَلا القَـطْـرَانُ يَنْفَعُـهُـمْ - وَلا الإسـْـرَافُ فِـي الأَدَبِ
فَمَـنْ شَـبَّـتْ نَطَـائِـفُـهُ - عَلـَى الصَّحْـرَاءِ وَالـيـَـبَـبِ
يَظـُنُّ الآلَ مُـنـْـقِـذَهُ - مِنَ الـتَّـهْــوَامِ فِـي الشِّــعـَـبِ
يَظَلُّ الـدَّهـْـرَ مـُرْتـَحِلاً - وَرَاءَ الـوَهـْمِ فِـي الشُّـهـُبِ
يَطـُوفُ القـَفـْرَ مـُبْتَهِلاً - كـَـبُـومٍ صَـاحَ فـِـي الـخَـرَبِ
إذَا مَـا الـعـُودُ جَـادَ لـَهُ - بِـصـَـوْتٍ حَـالِــمٍ وَصِــبِ
وَنَـاحَ النـّايُ مِـنْ أَلـَـمٍ - وَلاحَ الـبَـدْرُ فِي السُّحُــبِ
تَـرَاهُ هَـبَّ مـُنْـذَعِــرًا - يَجُـوبُ الأَرْضَ فِي صَخَــبِ
وَإنْ فَـاضَـتْ قَـرِيحَـتـُـهُ - فَـيَـا لِلـْـقُــرْحِ وَالغَـضَـــبِ
وَمُوسِـيقَـاهُ إنْ وُصِـفَتْ - حَوَتْـهَا رَقْصَــةُ الدِّبــَــبِ
إذَا مَـا الحُـزْنُ حَـلَّ بِـهِ - يُحِيـلُ الحُـزْنَ كَالطـَّـرَبِ
وَإنْ فـَـرِحَ الأَنـَـامُ تَــرَى - لـَـهُ وَجْـهــًا كَمُغــْتـَـرِبِ
إذَا تَـيْـسًـا رَأَى عَـرَضـًا - أَتـَى مَـعْ دَلــْوِ مُحْـتـَلِـبِ
فَمِـنْ أَيِّ الجُدُودِ أَتـَـتْ - سـُلالـَـتُـهُ إلَـى الشُّـعـُـبِ
ســُـؤَالٌ مـَـا يـُفـَـارِقـُـنِـي - مَـعَ الأَيــَّامِ بـَـرَّحَ بــِي
طَرَقْتُ غَيَاهِبًا كَشَفَتْ - لِيَ الـْمَخْفِيَّ فِى حُجُــبِ
وَجُبْـتُ اللـَّيْـلَ أَسْـأَلــُهُ - عَنِ المَكـْنـُونِ فِي العَصَـبِ
طَلَبْتُ الـعَقْـلَ يُسْعِفَنِـي - عَلــَـى مـَا بَـانَ مِنْ أَرَبــِـي
عَيِيــتُ وَهَدَّنـِـي تَـعـَبِـي - وَلَمْ أَعْـثُــرْ عَلـَـى سَـبَــبِ
سِـوَى مَا كَانَ مِنْ قِيَمٍ - نَمَتْ كَالدُّودِ فِى الـخَشَبِ
رَأَيـْتُ الـخَـلْقَ أَبْعَـدُهـُمْ - عَـنِ التَّـنْـوِيـرِ قـَـوْمُ أَبـِـي
فـَعُـدْتُ مُحَمَّـلاً حـُـلـُـمًا - هُوَ التـِّـرْيــَاقُ لِلـنُّـجـُــبِ
سَـأَلـْتُ الـرَّبَّ مَغـْفِــرَةً - شـَـفَانِـي اللّـهُ مِنْ نَسـَـبِـي
*
آب 2005
***
نشرت في إيلاف



ڤيسلاڤا شيمبورسكا: قصائد



ڤيسلاڤا شيمبورسكا

قصائد

ترجمة وتقديم: سلمان مصالحة


ولدت ڤيسلاڤا شيمبورسكا (Wislawa Szymborska) في العام 1923 في بلدة بنين الواقعة شرق پولندا. ومنذ العام 1931 تسكن في مدينة كراكوڤ، حيث درست هناك الأدب الپولندي والسّوسيولوجيا. في منتصف سنوات الأربعين نشرت محاولاتها الشّعريّة الأولى. وبعد أن وضعت الحرب العالميّة أوزارها استمرّت في نشر قصائدها في الجرائد والمجلاّت الپولنديّة. بالإضافة إلى ذلك، كتبت أعمدة صحفيّة في النّقد الأدبي، ومراجعات دوريّة للكتب الصّادرة. كما ترجمت قصائد كثيرة إلى اللّغة الپولنديّة وخاصّة من الشّعر الفرنسي. لقد نالت جوائز كثيرة منها جائزة وزارة الثّقافة الپولنديّة في العام 1963، جائزة چوتة في العام 1991، دكتوراة فخريّة من جامعة پوزنان في العام 1995، وجائزة نادي پن الپولندي في العام 1996. نشرت مجموعات شعريّة كثيرة وكتبًا ومقالات في النّقد الأدبي، وظهرت أشعارها في دوريّات وأنثولوجيات عديدة. كما تُرجمت أشعارها إلى كثير من اللّغات الأوروپيّة. لُغتها الشّعريّة غنيّة، ولا تقتصر على أسلوب واحد دون سواه. إنّ تعدّد أساليب الكتابة لديها يجعل مهمّة التّرجمة لأشعارها شائكة ومضنية. ولكن، لا مناص في نهاية المطاف من سلوك هذه الطّريق بغية تقديم بعض النّفحات للقارئ العربيّ الّذي يتشوّق إلى التّعرّف على آداب الأمم الأخرى.

القصيدة لدى شيمبورسكا هي تلك السّلسلة الّتي في يد "قرد برويچل". فحينما تُمتحن في التّاريخ الإنساني ويغلبها النّسيان تأتي تلك الرّنّة الخفيفة من السّلسلة لتذكّر بما كان، وبما هو كائن أو سيكون. فالشّعر لديها ليس مجرّد لعبة للتّسلية. إنّه قاموس تُشكّل مفرداته كراتٍ معدنيّة تضرب النّاقوس الّذي يقضّ مضجعها حينما تميل هي إلى النّسيان، وهذا المعدن هو المعدن الحقيقي والأصيل للشّعر، وفيه فقط ضمان النّجاح في هذا الاختبار. وفي هذا العصر وفي هذه الحقبة كلّ شيء له مغزى سياسي، وشيمبورسكا ذات النّفس الحسّاسة لما يجري، تضع أصابعها على تلك المداولات بين أطراف نزاع في كلّ مكان، الّذين يمضون الوقت للتّداول حول شكل الطّاولة، فكلّ ذلك هو سياسة، ولكن خلال هذه السّياسة، والسّؤال حول أيّ طالة "يجدر التّداول / بشأن الحياة والموت، مستديرة أم مربّعة." في هذه الأثناء يُقتَل النّاس وتنفق الحيوانات وتتهدّم البيوت وتُصبحُ الأرض خرابًا يبابًا، كما حال سابق العصور والدّهور.

أمّا عن الشّعر، فما هو هذا السّحر الّذي طالما تساءل النّاس عن جوهره؟ كثير من النّاس من يسأل عن سرّ هذا الفنّ الكلامي. وكثير من الشّعراء يسألون ويبحثون عن إجابة. لكلّ منهم رؤيا، ولكلّ منهم تصوّر أو إحساس بهذا الجانب أو بغيره من حُجيرات هذا الكنز المكنون. "بعض النّاس يحبّون الشّعر"، لكن ليس الجميع، "لكن يمكن أيضًا حبّ مرقة الدّجاج بالمعكرونة"، تستطرد شيمبورسكا. لكنّها لا تقنع بإجابات من هذا النّوع. فكثير من الإجابات الّتي أعطيت حتّى الآن هي إجابات واهية. ولذلك فهي تستمرّ في البحث عن إجابة أكثر دقّة، حتّى تخلص في النّهاية إلى الإجابة اللاّ-إجابة: "وأنا لا أعرفُ، لا أعرفُ وطالما تشبّثتُ بهذا / كما بدرابزين مُنقذ".

وهنا، وفي هذا الجواب الّذي يترك الباب مفتوحًا على مصاريعه، تبقى شيمبورسكا على طريق الرّحلة الطّويلة الّتي لا نهاية لها، تبقى متلبّسة بعدم المعرفة وهذا هو الدّليل على معرفتها لحقيقة الشّعر. هذه الحقيقة البسيطة الّتي تقتصر على البحث عن الإجابات لكلّ شيء. البحث عن الإجابات العميقة لماهيّة وجوهر الأشياء. ولأنّ إجابات من هذا النّوع مستحيلة الحصول، فإنّ عمليّة البحث ستبقى خالدة، وهي رحلة في طريق ليس منها رجعة. ولأنّ هذه الرّحلة هي رحلة فرديّة فإنّ شيمبورسكا تشعر بالأمان لدى شقيقتها الّتي "لا تكتب الأشعار". أحيانًا، وحينما يكون في العائلة أكثر من شاعر فهذا يؤدّي إلى "دوّامات في العلاقات العائليّة". ولهذا فإنّ الأمان الّذي تشعر به شيمبورسكا هو هذا التّوتّر الشّخصيّ الّذي لا يقربه أحد. هذه الفردانيّة المُرعبة، ولكن المُبدعة في آن معًا.


***


قردان لبرويچل

دائمًا أفكّر في امتحان التّوجيهي:
في النّافذة يجلسُ قردان مربوطَيْن بسلسلة.
عبر النّافذة تحومُ السّماء.
البحرُ يضربُ أمواجَه.

إنّي أُمتَحنُ في التّاريخ الإنساني:
أُتأتِئُ، وترتعدُ فرائصي.
قردٌ واحد، عيناهُ عليّ، يسترقُ السّمعَ ويسخر.
الثّاني يبدو يغلبُه نُعاس.
وحينَ يعمّ الصّمتُ بعدَ سؤال،
يُشيرُ لي ليذكّرني من خلال
رنّة خفيفة بالسّلسلة.

***

رسائل الميت

قرأنا رسائل الميت كما آلهة بلا أمل،
ومع كلّ ذلك آلهة، لأنّنا نعرفُ المواقيت الآتية.
نعرفُ أيّ دُيونٍ لم تُدفَع.
مع أي رجال هرولت النّساء للزّواج.
يا لهم من مساكين هؤلاء الموتى، موتى الرّؤى الضّيّقة،
مضحوك عليهم، غير معصومين، ويحسبون كلّ شيء.
إنّنا نرى الوجوه، حركات الأيادي وراء الظَّهْر.
آذانُنا تلتقطُ صوت تمزيق الوصايا الأخيرة.
يجلسون أمامنا مُضحكين كما لو كانوا على قطع خبزٍ مطليّة بالزّبدة.
أو مُسرعين للإمساك بالقبّعات المتطايرة فوق رؤوسهم.
ذوقهم السّيّء، ناپليون، بُخار وكهرباء،
أدوية فتّاكة لأمراضٍ قابلة للشّفاء.
سُخْف أشراط السّاعة حسب القدّيس يوهانس.
جنّة اللّه الخادِعة على الأرض، حسب جان جاك...
بهدوء نراقبُ بيادقهم على لوح الشّطرنج.
أنّهم فقط الآن تحرّكوا ثلاث خانات للأمام .
كلّ ما رأته عيونهم خرج مختلفًا تمامًا.
أكثرُهم حماسًا نظروا إلينا بثقة.
اكتشفوا أنّهم سيجدون هناكَ الكَمال.

***


أبناء هذا العصر

نحنُ أبناءُ هذا العَصْر،
إنّه عصرٌ سياسيّ.

كلّ ما يحملُ يومُك من أعباء
أو ليلُك، أعباؤك أعباؤنا، أعباؤكم
هي أعباءُ سياسة.

شِئتَ أمْ أبَيْتَ،
جيناتُك ماضيها سياسي،
لونُ الجلدِ سياسي،
للعَيْن وَجْهٌ سياسيّ.

بهذه الصّورة أو تلك،
لكلّ ما تقول أصداءٌ
لكلّ سَكَتاتِك مضمونٌ أو معنى
سياسي.

حتّى إذْ تخطو في الغابة،
تخطو أنتَ خطواتٍ سياسة
على أرضٍ سياسيّة.

حتّى الأشعار الغَيْر السّياسيّة هي أشعارٌ سياسة،
وفي الأعالي يزهو القمر بنوره،
منذُ زمن، لم يعُدْ قمري بَعْدُ.
أن تكون أو ألاّ تكون، هذا هو السّؤال.
أيّ سؤالٍ يا صديقي، أجب ببساطة.
سؤال سياسيّ.

لستَ مُلزمًا أن تكون من بني البشر
لكي تكون ذا مغزى سياسيّ.
يكفي أن تكون نفطًا خامًا،
هشيمًا مُركّزًا، مادّةً خامًا مُكرّرة.

أو حتّى طاولة جلساتٍ، على شكلها
ثار جدالٌ شهورًا طويلة:
حولَ أيّ طاولة يجدرُ التّداوُل
بشأن الحياة والموت، مُستديرة أمْ مُربّعة.

وفي هذه الأثناء، قُتل أناسٌ،
نفقتْ جوعًا حيوانات،
دُورٌ التهمتها ألسنة النّيران،
وحقولٌ أنبتت البُور،
مثلما في غابر العصور
غير السّياسيّة.

***


بعض النّاس يحبّون الشِّعْر

البعض -
أقصد ليس الجميع.
ليس الغالبيّة، ولا حتّى الأقليّة.
دون أخذ المدارس بالحسبان، فهم مُضطرّون هناك،
والشّعراء أنفسهم،
هؤلاء النّاس إثنان بالألف.

يحبّون -
لكن، يمكن أيضًا حبّ مرق الدّجاج بالمعكرونة،
يحبّون الإطراءات وأزرق السّماء،
يحبّون منديلاً قديمًا،
يحبّون الإصرار على إراداتهم،
يحبّون ملاطفةَ كَلْب.

الشِّعْر -
لكنْ، ما هو الشِّعْرُ في الحقيقة.
كَمْ مرّةٍ أُعطيتْ على هذا
إجابة واهية.
وأنا لا أعرفُ، لا أعرفُ وطالما تشبّثتُ بهذا
كما بدرابزين مُنقذ.

***


ڤيتنام

يا امرأة، ما اسمُك؟ لا أعرف.
أينَ وُلدتِ؟ لا أعرف.
لماذا تحفرينَ الأرض؟ لا أعرف.
كم من الوقت تختبئين هنا؟ لا أعرف.
لماذا تعضّين يدَ المحبّة؟ لا أعرف.
ألا تعرفين أنّنا لن نمسّك بسوء؟ لا أعرف.
مع أيّ طرفٍ أنتِ؟ لا أعرف.
ثَمّةَ حربٌ فعليكِ أن تختاري. لا أعرف.
هل ما زالت قريتك قائمة؟ لا أعرف.
هل هؤلاء هم أولادك؟ نعم.

***


في مديح ذمّ الذّات

ليسَ للدّأية ما تتّهم به نفسَها.
التّساؤلات غريبة في نظر الفَهْد الأسود.
سمكة الپيرانْها لا تُشكّك بمصداقيّة أعمالِها.
الأفعى يُمدح نفسَه دونما اعتراضات.

لا يوجد ابنُ آوى ذو نَقْدٍ ذاتيّ.
الجراد، التّمساح، الشْعريّة وذبابُ الخيل
كلّها تعيشُ حياتها راضيةً مرضيّة

قَلْبُ حوت الأورْكا يزنُ مائة كيلو
لكن من جهة أخرى، فهو خفيف.

لا يوجد شيء أكثر حيوانيّة
من ضمير نقيّ
على الكوكب الثّالث في المجموعة الشّمسيّة.

***


في الثّناء على شقيقتي

شقيقتي لا تكتُب الأشعار
ولا يبدو أنّها فجأة ستنظم القصائد.
سارت على خطى والدتها الّتي لم تكتب الأشعار.
وعلى خطى والدها الّذي هو الآخر لم يكتب الأشعار.
تحتَ سقف شقيقتي أشعر بالأمان:
لا شيء سيدفعُ زوج شقيقتي لكتابة الأشعار.
ومع أنّ الأمر يُذكّر بقصيدة لآدم مكدونسكي،
لا أحد من أقربائي مشغول بكتابة الأشعار.

على مكتب شقيقتي لا توجد أشعار قديمة.
ولا توجد جديدة في حقيبتها.
وحينما تدعوني شقيقتي للعشاء،
أعرفُ أنّّها ليست عازمة على قراءة الأشعار لي.
إنّها تعمل مرقة رائعة، ودونما أن تُحاول
ولن تندلق قهوتها على المخطوطات.

في كثير من العائلات لا أحد يكتب الأشعار.
ولكن، حين يفعلون عادةً ما يكونون أكثر من واحد.
أحيانًا يفيضُ الشّعر كشلاّلات الماء عبر الأجيال،
صانعةً دوّاماتٍ في العلاقات العائليّة.

شقيقتي تعتني بالنّثْر الدّارج والمُحترم.
كلّ نتاجها الأدبي يقتصر على البطاقات البريديّة.
يكرّرُ الشّيء ذاتَه كلّ عام:
أنّها حينما ستعود،
ستروي لنا كلّ شيء،
كلّ شيء،
كلّ شيء.

***

النّهاية والبداية

في نهاية كلّ حرب
أحدٌ ما يجبُ أن يُنظّف.
النّظام أيًّا ما كان
لن يحدثَ من ذاته تلقائيًّا.

أحدٌ ما يجبُ أن يدحرَ رُكامَ الخراب
إلى جوانب الطّرقات،
حتّى تعبرَ فيها
العرباتُ الملأى بالموتى.

أحدٌ ما يجبُ أن يتلطّخ
بالطّين وبالرّماد،
برفّاصات الأرائك،
شظايا الزّجاج
والخِرَق النّازفة.

أحدٌ ما يجبُ أن يجرّ لوحًا من خشب
ليدعمَ الحائط،
يُثبّت الزّجاج في النّافذة
يُركّبَ البابَ في محوره.

هذا لا يبدو جميلاً في الصّورة
ويحتاج سنين طويلة.
كلُّ الكاميرات قد نزحتْ من زمان
إلى حربٍ أخرى.

ثَمّ حاجة للجسور من جديد
ولمحطّات القطار.
ستتمزّقُ الأكمام
من كثرة التّشمير.

أحدٌ ما، يحملُ مكنسةً في يده،
يتذكّرُ كيف كان.
أحدٌ ما يتنصّتُ
ويهزّ رأسَه الّذي لم يُنْزَع من مكانه.
لكنّ البعضَ هناك
يبدأ هذا الشّأن
يُثيرُ المللَ لديهم.

بين الفينة والأخرى، يحفرُ أحدٌ
ما تحتَ شُجَيْرَة
حُججًا قد صَدِئَتْ
ينقُلُها لأكوام الوَرَثَة.

مَنْ كانَ منهم على عِلْمٍ
بما قد حدثَ هنا ولماذا،
يجبُ أن يُفرعُ مكانًا لِمَنْ
كانَ قليلاً ما يعلم.
وأقلّ من قليل،
وأخيرًا، لا شيء.

على الأعشاب الّتي غطّت
الأسباب والنّتائج،
أحدٌ ما يجبُ أن يستلقي
سُنبلةٌ بين أسنانه
ويتأمّل الغيوم.

***


عن الموت، دون مبالغة

هو لا يفهمُ في النّكات،
لا يفهم في النّجوم، في الجسور،
في النّسيج، في حفر المناجم، في فلاحة الأرض،
في بناء السّفُن، وخَبْز الكعك.

عندَ حديثنا عن برامج الغد
يدسّ كلمتَه الأخيرة الّتي
لا علاقة لها بالموضوع.

هو لا يعرفُ حتّى في الأمور،
المتعلّقة مباشرةً بمهنته:
حَفْر القبور،
نقش التّوابيت،
لا يعرفُ التّنظيف وراء نفسه.

غارقٌ في التّقتيل،
يفعل ذلك بكثير من عدم الدّراية،
دونما أسلوب أو خبرة،
وكأنّه يتمرّن، لأوّل مرّة، على كلّ واحد منّا.

الانتصارات هي انتصارات،
لكنْ كم من الهزائم،
والضّربات الّتي أخطأت الهدف
والمحاولات المتكرّرة.

أحيانًا تنقصه القوّة
لإسقاط ذُبابَة في الهواء.
مع غير قليل من الزّواحف
خسرَ المُباراة في الزّحْف.

جميع هذه البصيلات، الأكواز
السّداسيّات، الزّعانف، قصبات التّنفّس،
ريش المُداعبة، فِراء الشّتاء
تشهد على التّأخير
في عمله الجاري بلا مبالاة.

لا تكفي الغرائز المُبيّتة،
وحتّى المُساعدة الّتي نُقدّمها له في الحروب والثّورات
هي، للآن، ضئيلة جدًا.

قلوبٌ تنبض في البَيْض.
هياكل الأطفال تنمو وتكبر.
البُذور، بكدٍّ واجتهاد، تصلُ إلى وُريقتين أولَيين.
أحيانًا إلى شجرتين سامقتين على خطّ الأفق.

مَنْ يظنّ أنّ الموت قادرٌ على كلّ شيء،
فهو بنفسه برهانٌ حيّ،
على أنّه ليس بقادر.

لا يوجد ثَمّ حياةٌ،
ولو لِرمشة عين واحدة فقط،
ليست خالدةً.

الموتُ
دَوْمًا يتأخّر في الرّمشة عينٍ هذه.

سُدًى يهزّ ألأيادي
للأبواب اللاّ مرئيّة.
كلّ ما قامَ به أحدٌ ما
لن يقدر أن يُعيده للوراء.

***


كتابة سيرة حياة

ما المطلوب؟
المطلوب أن تكتب طلبًا
وأنْ تُرفق طيّه سيرة حياة.

ودون علاقة بطول الحياة
على السّيرة أن تكون قصيرة.

تلخيص الحقائق وفرزها أمر ضروري.
إستبدال المناظر بالعناوين
والذّكريات الواهية بتواريخ ثابتة.
من بين جميع قصص الحبّ يجب تسجيل الزّواج فحسب،
ومن الأولاد فقط الّذين قد وُلدوا.

مَنْ يعرفُكَ ذو شأنٍ أكبر ممّن تعرفُهُ.
والسّفرُ فقط إن كان لخارج البلاد.
الإنتماء لـ"ماذا"، لكن ليس لماذا.
شهادات التّقدير دون التّبريرات.

أُكتبْ كما لو أنّك لم تتحدّث مع نفسك أبدًا
وكأنّك التففتَ على نفسك من بعيد.

تجاهل الكلاب، والقطط والعصافير،
الهدايا القديمة، الأصدقاء والأحلام.

السِّعْر وليس القيمة
العنوان وليس المضمون.
رقم الحذاء وليسَ الغاية الّتي يذهبُ
إليها هذا المفروض أن يكون أنت.

مع ذلك يجب إرفاق صورة مع أذنٍ مكشوفة.
شكلها فقط يُؤخذ بالحسبان، ليس ما يُسمَع
ماذا يُسمَع؟
صرير الماكنات الّتي تطحن الورق.

***



نشرت في فصلية "مشارف"، عدد 13، 1997


Wislawa Szymborska, "Selected Poems", translated by Salman Masalha, Masharef 13, Haifa 1997

حاييم غوري: "خلخال ينتظر الكاحل"، قصائد



حاييم غوري

"خلخال ينتظر الكاحل"

ترجمة وتقديم: سلمان مصالحة



ولد حاييم غوري (Haim Gouri) في تل أبيب في العام 1923، وبهذا يكون قد نشأ وترعرع في فترة الانتداب البريطاني في فلسطين فكان شاهدًا على ما جرى فيها من أحداث مصيريّة حتّى حصول النّكبة الفسطينيّة وقيام دولة إسرائيل. في العام 1941 إنضمّ چوري إلى كتائب الـ "پلماح" (وهي تعبير عبري مركّب من كلمتين، پْلُوچُوت ماحَتْس، أي الكتائب السّاحقة، أو الصّاعقة)، الّتي حاربت إبّان الانتداب البريطاني قبل قيام دولة إسرائيل، ولاحقًا انخرط في صفوف الجيش الإسرائيلي حتّى تمّ تسريحه. درس حاييم غوري الأدب في الجامعة العبريّة في القدس، كما درس الأدب الفرنسي في جامعة السّوربون في پاريس. حاز جوائز أدبيّة مختلفة، منها جائزة "بيالك" للعام 1975، ثمّ جائزة إسرائيل للعام 1988.
قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!