‏إظهار الرسائل ذات التسميات جدل. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات جدل. إظهار كافة الرسائل

فارق الهوية الجنبلاطية



تعقيب جديد على مقالتي التي نشرت في ”الحياة“. وهذه المرّة أكثر جهلًا وسخفًا

ومرّة أخرى، وعملًا بحريّة الرأي، مهما كان هذا الرأي سخيفًا ولا يتطرّق للموضوع المطروح، فها أنذا أنشره هنا ليكون متاحًا للقارئ النبيه ابتغاء أن يخلص منه بموقف رشيد ورأي سديد. والعقل وليّ التوفيق! (س. م.)

في مسائل إسرائيل والأقليّة ومواقف جنبلاط


تعقيب حول تصريحات جنبلاط:
عملاً بمبدأ حرية الرأي، ومهما كان هذا الرأي سخيفًا ولا يتطرّق للموضوع المطروح، ننشر هنا هذا الردّ الذي نشره مفوّض الإعلام في الحزب التقدّمي الاشتراكي على مقالتي المنشورة في صحيفة «الحياة»، ونترك للقارئ النبيه أن يستجلي الأمور ما بين السطور وما وراء السطور. (س. م.)

رامي الريس ||

في مسائل إسرائيل والأقليّة ومواقف جنبلاط


طالعنا السيد سلمان مصالحة في «الحياة» (السبت 22 تموز - يوليو 2017) بقطعة سوسوليوجية سيكولوجية، عكست في بعض جوانبها انفصاماً فاقعاً في الفهم والتحليل، متوجهاً بالنقد إلى رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط حيال موقفه الأخير من تطورات الأحداث في فلسطين المحتلة (التي لا يتردد مصالحة بتسميتها إسرائيل، متناسياً أنها تحتل أرض وطنه)، ومعتبراً أن مواقف جنبلاط لا تشكل «مثالاً يقتدى لدى (هذه) الأقلية التي بقيت في وطنها على رغم كل الصعاب».

كان حرياً بمصالحة الذي يدرّس في الجامعة العبرية بالقدس أن يعود إلى التاريخ القريب، عندما اتخذ وليد جنبلاط سلسلة من الخطوات والمواقف لدعم عرب 48، وعقد مجموعة من اللقاءات في الأردن مع ممثلين عنهم انطلاقاً من حرصه على تعزيز التواصل وتثبيت الهوية العربية للدروز في فلسطين. ولكن، يبدو أن هذا ما يزعج السيد مصالحة الذي يود تغطية انخراطه في الحياة الإسرائيلية بعنوان: النضال السياسي من الداخل!

هل يتعرّض جنبلاط لوحدة «الأقلية»، كما يسمّيها مصالحة، عندما يطلب منها ومن أبنائها تعزيز وحدتهم الوطنية مع إخوتهم الفلسطينيين وعدم الانصياع لمخططات الاحتلال الإسرائيلي الذي يحاول دوماً أن يوحي بأنه يمنحهم امتيازاتٍ لا تعدو كونها مجرد وعود وهمية، فيما لا يتوانى الجيش الإسرائيلي عن دفعهم إلى الصفوف الأمامية في الجبهات!

هل يتعرض جنبلاط لوحدة «الأقلية»، عندما يحذّر من تصديق هذه الوعود الوهمية والانجرار وراء مخططات مشبوهة يسعى إليها الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يتوانَ عن طرد الفلسطينيين من بيوتهم وأرزاقهم واحتلالها والتوسع الاستيطاني فيها؟

هل يتعرض جنبلاط لوحدة «الأقلية» عندما يدعو إلى رفض الخدمة العسكرية الإلزامية (مع التركيز على أبناء هذه الأقلية) في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي كي لا يرفع المجند بندقيته في وجه شقيقه الفلسطيني؟

وهل يتعرض جنبلاط لوحدة «الأقلية» عندما ينادي بالوعي والحكمة والشجاعة لمواجهة الاحتلال عندما يقول: «إلى العرب الدروز في فلسطين، احذروا من فخ الفتنة مع إخوانكم العرب التي تريدها سلطة الاحتلال الإسرائيلي».

واضحٌ أن مفهومكم للنضال لا يلتقي مع مفهومنا، ومفهومكم للاحتلال أيضاً لا يلتقي مع مفهومنا.

وليد جنبلاط لا يبحث عن زعامة عابرة للحدود، فهو يملكها حتى لو لم يجاهر بها، وإلا ما الذي يبرر هذا المقدار من الاستفزاز الذي شعرتم به لو أنه كان فعلاً مجرد «زعيم طائفي لبناني» كما وصفتموه؟

حبذا لو تقرأون بين السطور جيداً، وأنتم من أساتذة «الأدب العربي»!

* مفوّض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي

الحياة، 25 يوليو 2017

انظر أيضًا: الأنباء، صحيفة الحزب التقدمي الاشتراكي

----




رد على سلمان مصالحة


أرشيف (2007):

أما بعد فهذا رد مقتضب على بعض ما جاء في مقالة المدعو سلمان مصالحة في مجلة إيلاف الإلكترونية والتي عنونها "كيف نقرأ سورة الفاتحة":

سبط الجيلاني ||

رد على سلمان مصالحة



بصفتي من حفظة القرآن الكريم والمشتغلين بعلم القراءات القرآنية وممن تشرف بخدمة القرآن لا أجد بدا من الرد على المقالة المذكورة، لما فيها من التجني الواضح، والجهل الفاضح؛ وعذرا للصراحة، ولكن لا بد من تسمية الأشياء بأسمائها في بعض المواقف، ولا سيما عندما يصل الأمر إلى حد التطاول على القرآن الكريم.

أولا: يزعم الكاتب تلميحا إلى أن قدسية القرآن تمنع المسلم من اكتشاف ما اكتشفه جنابه في سورة الفاتحة من هنات مزعومة، لأن تقديس النص يمنع من يقدسه في ظن الكاتب من استعمال عقله، وأحب أن أطمئنه إلى أن الأمر ليس كما ظن، فالقرآن حض المسلم على استعمال عقله، وقد مر منذ نزل القرآن أربعة عشر قرنا من الزمان تعاقب فيها ما لا يحصى من أذكياء العالم والعباقرة والعلماء من المسلمين المشهود لهم بالحرص على استعمال عقولهم، التي كانت بلا أدنى شك أكبر من عقل كاتب المقال المسكين، وقد أشبع هؤلاء النص القرآني دراسة وتمحيصا وتحليلا، فلا يوجد كتاب نال ما ناله القرآن الكريم من العناية والدرس، فهل فات أولئك الفطاحل الأعلام الذين لا يشق لهم غبار في اللغة والنحو والأدب وسائر علوم العربية والعلوم العقلية أمور بخطورة ما ذهب إليه صاحبنا في قراءته المتحاملة لسورة الفاتحة، التي يتلوها كل مسلم مرات عديدة كل يوم.

ثانيا: من الواضح أن الكاتب لا حظ له من علم القراءات، ولا اطلاع له على كون القرآن نزل بقراءات تختلف في بعض الوجوه، وقد وصلنا منها عشر قراءات متواترة، رواها عن رسول الله ما لا يحصى من الخلق، وحفظوها عن ظهر قلب عبر العصور دون تغيير حرف واحد منها، وانصرف إلى تقعيدها وبيانها وتفصيلها وتعليلها والتأليف فيها جم غفير من أهل العلم، فوجود بعض الاختلاف بين القراءات المتواترة لا يهول العالم وإن أشكل على مثل صاحبنا من الأغرار، فكل ذلك بالوحي، وكل ذلك نقل إلينا بأسانيد متصلة بدقة لا يرقى إليها الشك، ولكن كم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم.

ثالثا: الخلاف المشهور بين أهل العلم في عد البسملة من آيات الفاتحة لا يطعن في كونها ثابتة متواترة، فلا خلاف في كون البسملة من القرآن، ولكن الخلاف هل تحسب عند العد من آيات الفاتحة أم أنها نزلت في أولها وليست منها، كما نزلت في أوائل سائر سور القرآن باستثناء سورة التوبة، فليست البسملة معدودة من آيات أي سورة أخرى سوى سورة النمل (التي لا تعد البسملة التي نزلت في أولها من آياتها، ولكن تعد البسملة التي في وسطها من آياتها). وقد حاول الكاتب استخدام هذا الخلاف المشهور في شأن عد آيات الفاتحة، ليشكك القارئ في القرآن ويوهمه احتمال الخطأ والتحريف فيه، وما هذا إلا دليل على جهل الكاتب بعلوم القرآن، أو هو محاولة خبيثة منه للتهويل والتشويش على ضعفاء المسلمين وجهالهم.

رابعا: قول الكاتب:"أنّ النّصّ المشهور للقرآن قد تعرّض على مرّ السّنوات إلى عمليّة تحرير حتّى وصل إلى هذا الإجماع بخصوص النّصّ الّذي بين أيدينا" محاولة أخرى لإيهام القارئ أن القرآن الثابت المتواتر الذي يحفظه مليارات المسلمين عبر التاريخ قد تعرض للتغيير عبر العصور، بحيث لا يوثق بأنه وصلنا كما تلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصحابة، وهذا غاية الجهل أو الخبث من الكاتب، فمن درس تاريخ القرآن بإنصاف حتى من غير المسلمين يشهد بأنه لا يشاركه كتاب آخر في دقة نقله وعدد من حفظه بحروفه من البشر، مما يجعله الكتاب الوحيد الذي يمكن أن يركن المرء إلى اعتياصه على التحريف، وبالتالي فالقرآن الذي وصلنا متواترا هو النص الذي أنزل على رسول الله بحروفه وحركاته وسكناته دون تبديل أو تحريف أو تغيير.

خامسا: حاول الكاتب أن يشكك في فصاحة القرآن، وفصاحة الفاتحة بالتحديد، من خلال عرضه للأصل المزعوم لكلمتي صراط ورحمن، فهذا الذي نقله عن أصلهما ليس مسلّما ولا ثابتا، كما أنه معلوم عند أهل العلم أنه يوجد أصلا خلاف بين اللغويين هل في القرآن كلمات أعجمية معربة أم لا، ومن المعلوم أن الكلمة قد تكون من أصل غير عربي ثم تدخل جسم اللغة وتصبح جزءا منها ولا يطعن أصلها بعد أن انخرطت في سلك اللغة في فصاحتها، فاللغة ليست شيئا جامدا، بل هي أشبه بكائن حي يكبر ويتطور ويزداد مع الزمن، كما أن ما لمح إليه الكاتب من احتمال وجود شبيه لكلمة رحمن في بعض لغات الأوائل لا يجعلها غير عربية الأصل. ثم من أين قرر الكاتب أن وجود أصل غير عربي للكلمة يتنافى مع الفصاحة والبيان. أضف إلى ذلك أن النص قد يكون في غاية الفصاحة ككل وإن لم تكن كل كلمة فيه هي الأفصح على الإطلاق بمفردها، فاختيار الكلمات في النص يخضع لاعتبارات غير كونها في أعلى درجات الفصاحة، كملاءمة جرسها للسياق وغير ذلك.

سادسا: حاول الكاتب أن يشكك في حكمة وصف غير المسلمين بالمغضوب عليهم والضالين، وفي الحكمة من تحفيظ الأطفال ذلك، وهذا تعرض منه لأصل عقيدة الإسلام وتشكيك في حقيتها، وأكتفي بشأن ذلك أن أقول له: من قال إن الحوار الذي تخشى عليه من حفظ الأطفال لسورة الفاتحة هو الحق الذي لا محيد عنه، لقد قامت الدلائل الكثيرة على حقية عقيدتنا، وليس هذا مجال بيانها، وللكلام تتمة، وللحق صولات وجولات.


كتبه خادم القرآن الكريم


سبط الجيلاني


--
إيلاف، 16 سبتمبر 2007

***

اقرأ: سلمان مصالحة | كيف نقرأ سورة الفاتحة


إقرأ أيضًا:
فهم المنطوق، مسائل تراثية وأبعاد راهنة


حوارات من أجل الغد


أرشيف (يوليو 2008): 

مقابلة تحوّلت إلى عراك

حوارات من أجل الغد


قبل سنوات اتّصل بي الدكتور أفنان القاسم مستفسرًا عن بعض القضايا. ثمّ لاحقًا طلب إجراء حوار يكون كتابيًّا ليتمّ تعميمه نشرًا في موقعه. ولمّا كنت أنشر آرائي على الملأ معبّرًا عن قناعاتي دون البحث عن شعبويّة عابرة، فقد وافقت على إجراء الحوار ونشره. ثمّ فوجئت بنشر المقابلة مع تقديم الدكتور أفنان القاسم يسبغ فيه عليّ نعوتًا مثل ”ضحية الفكر السائد“، وما إلى ذلك. فكتبت ردًّا على كلامه وتقديمه ونشرته في حينه أيضًا.

ها أنذا أعيد نشر الحوار والتقديم حرفيًّا، منقولاً عن جريدة “مصر الحرّة”، كما أعيد نشر مقالتي في الردّ على د. أفنان القاسم. وحينما أفعل ذلك فإنّما أفعله توثيقًا للكلام، ولكي يكون عقل القارئ النبيه هو الفصل في هذه القضايا التي لا زالت راهنيّة بعد مرور كلّ هذه السنوات.

لماذا الهوس العربي بالعنف؟


لقد رحل عنّا هذا الأسبوع المفكّر التونسي العفيف الأخضر الذي كان طوال حياته من رافعي راية العقل في مواجهة الأصوليين من أتباع النقل ومشيعي الجهل.
لقد كنت في سنة 2005 نشرت مقالة مهداة إليه وتضامنًا معه ضدّ قوى الظّلام التي كانت له بالمرصاد في كلّ شاردة وواردة.

أعيد نشر هذه المقالة الآن مرّة أخرى، لذكراه:
*

سلمان مصالحة ||

لماذا الهوس العربي بالعنف؟

               (الإهداء: إلى العفيف الأخضر)

حاول الدكتور محمد عبد المطلب الهوني في مقالة له نشرها في "إيلاف" قبل مدّة التطرُّق إلى مسألة الهوس العربي بالعنف. لقد قام بطرح سؤال جوهري يجدر بنا أن ننظر فيه مرّة أخرى، لعلّنا نخلص منه إلى ترياق يخفّف من وقع هذا الوباء على نفسيّات الأجيال العربيّة القادمة. يطرح الدكتور الهوني السؤال على الملأ، غير أنّه يتركه معلّقًا في الهواء دون أن يزوّدنا بإجابة على سؤاله، أو دون أن يهدينا إلى طريق للخلاص من هذا المأزق. صحيح أنّ مجرّد طرح السؤال على الملأ هو قضيّة مهمّة، وقد يشكّل طرحه، على أيّ حال، الخطوة الأولى على طريق الوصول إلى مخرج من المأزق. لكن، حريّ بنا جميعًا أن نحاول تلمّس سبل الإجابة عليه. لأنّنا من خلال الإجابة يمكننا أن نضع اللّمسات الأولى لما يمكن أن يكون برنامج عمل. فنحن العرب، في هذا العصر المتأزّم، أكثر الأمم احتياجًا إلى برامج عمل. لقد تحدّث الدكتور الهوني عن الهوس العربي بالعنف، ولكنّ السؤال الّذي يجب أن يطفو على السّطح هو: لماذا الهوس العربي بالعنف؟ إذ أنّه، كما قيل، لو عُرف السّبب بطل العجب.

أبدأ أوّلاً فأقول، إنّني لا أدّعي هنا في هذه المقالة أنّني أملك الحقيقة كلّها. غير أنّني أجد نفسي مضطرًّا إلى طرح بعض الإجابات على التّساؤلات المطروحة والّتي قد تشكّل طرف خيط نمسك به من أجل الوصول إلى الغايةالمرجوّة. ففي رأيي، هنالك وجهان لهذا الهوس العربي بالعنف، وإن لم نقم بتقصّي جذور هذين الوجهين فلن نصل إلى أيّ مكان. والوجهان اللّذان أعنيهما هما: وجه له علاقة بطبيعة وتركيبة المجتمع العربي، ووجه آخر يتعلّق بالجانب الثّقافي الّذي يتأسّس عليه هذا المجتمع.

أمّا فيما يتعلّق بالتّركيبة المجتمعيّة، فما من شكّ في أنّنا نحن العرب لم نعرف طوال تاريخنا القديم والمعاصر معنى ”الدّولة“ بما يعنيه هذا المصطلح. جميعنا نعرف نعرف ما كانت عليه حال العرب في الجاهليّة من تناحر قبلي ووقعات اشتهرت لاحقًا بمصطلح ”أيّام العرب“، وهي أيّام لا زالت قائمة إلى يومنا هذا. والأمر الأبرز في ما يتعلّق بهذا الجانب هو أنّه ما من شكّ في أنّ القبيلة في المجتمع العربي ماضيًا وحاضرًا كانت ولا تزال هي الوحدة السّياسيّة الّتي شكّلت المجال الّذي يتحرّك فيه الفرد العربي اجتماعيًّا وسياسيًّا. وبكلمات أخرى، فإنّ نظام القبيلة هو ما يمكن أن نطلق عليه نظام ”المدينة الدّولة“، على غرار الـ ”پوليس“ الإغريقي. وليست العلاقات الّتي تُقام بين القبائل العربيّة سوى شكل آخر من أشكال العلاقات الدپلوماسيّة بين الدّول المختلفة. وهي دول قد تتكاتل في فترة معيّنة ثمّ ما تلبث أن تتقاتل، لأسباب كثيرة، كما هي الحال على مرّ التّاريخ.

وحتّى الإسلام الّذي يدّعي كثيرون أنّه هدف إلى توحيد القبائل العربيّة، لم يكن كذلك بأيّ حال. فلم يأت الإسلام من أجل صهر العرب في أتون مدنيّة عربيّة، وإنّما جاء لتوحيد بطون وأفخاذ قريش الّتي تشتّتت وتضعضع نفوذها في جزيرة العرب مقابل سائر القبائل العربيّة الّتي بدأت تتغلغل فيها النّصرانيّة واليهوديّة إضافة إلى النّفوذ الفارسي والحبشي. ولهذا السّبب نجد أنّ الجدل الأوسع هو جدل مع النّصرانيّة واليهوديّة، ويحتلّ حيّزًا واسعًا في الأيديولوجيّة الإسلاميّة. ولهذا السّبب أيضًا تمّ إجلاء النّصرانيّة واليهوديّة الّتي رفضت قبول هيمنة المسيحانيّة العربيّة القرشيّة في جزيرة العرب.

ليس هذا فحسب، بل إنّ الإسلام قد بنى أيديولوجيّته على ذات الأيديولوجيّة القبليّة الّتي سادت في الجاهليّة: ”خياركم في الجاهليّة خياركم في الإسلام“، مكرّسًا هذا المبدأ بإضافة تنويعة جديدة عليه من مثل ”إذا فقهوا“. غير أنّ المبدأ القبلي هو ذاته لم يتغيّر. وهكذا صارت مسألة النّسب في الخلافة الإسلاميّة هي المبدأ الّذي تنبني عليه الخلافة. لقد وسّع الإسلام النّموذج القبلي إلى ”أمّة“ في مقابل سائر القبائل، أي شعوب العالم الأخرى. ولذلك وبعد أن قويت شوكة الإسلام فقد قام بملاحقة سائر الملل والشّعوب إلى عقر دارها في عصر الفتوحات، وهي فتوحات على أيّ حال لا تختلف بشيء عن عصر الإستعمار الأوروبي، هذا إن لم نذهب إلى أبعد من ذلك في طرحنا. فلو أنّ الإسلام قد جاء حقًّا لتوحيد العرب ضمن هويّة واحدة وبناء مجتمع جديد لما كان خرج خارج حدود العرب الجغرافيّة. والحقيقة الّتي لا بدّ من طرحها هنا هي أنّ الإسلام، في جوهره، ليس سوى تحويل للنّعرة القبليّة المتفشّية بين العرب إلى نعرة عربيّة موحّدة بلباس أيديولوجي إسلامي من جهة، و تحويل الغزوات المتبادلة بين القبائل العربيّة إلى اتّحاد قبلي يغزو سائر الشّعوب المحيطة ببلاد العرب من جهة أخرى، وهذا ما حدث فعلاً. وحتّى هذا التّوجّه لم يدم طويلاً، فالطّبع العربي يغلب التّطبُّع، إذ سرعان ما ثارت النّعرات القبليّة منذ نشوء الإسلام وبدأ الصّراع على الخلافة على أساس هذه النعرة القبليّة السّائدة في ذهنيّة العرب.

وما النّظرة المتفشّية بين الإسلامويين اليوم إلى عصر الرّاشدين وكأنّه العصر الذّهبي للإسلام سوى شعار باطل لا يستند إلى أيّ حقائق تاريخيّة. يكفي أن نعرض خبرًا واحدًا عن هذا الماضي الذّهبي الّذي يتشدّق به الأسلامويّون، وهو مجرّد خبر واحد عن مقتل الخليفة عثمان بن عفّان، وهو خير مثال على ما آل إليه التّاريخ العربي على مرّ التّاريخ. فلنقرأ معًا بتمعّن ما رواه لنا الطّبري في الجزء الرّابع من تاريخه: ”وأمّا عمرو بن الحمق فوثب على عثمان، فجلس على صدره وبه رمقٌ، فطعنه تسع طعنات. قال عمرو: فأمّا ثلاث منهنّ فإنّي طعنتهنّ إيّاه للّه، وأمّا ستّ فإنّي طعنتهنّ إيّاه لما كان في صدري عليه“.


وهكذا، وبعد مقتل عثمان، فقد ألقي، وهو الخليفة كما نعلم، في دمنة حتّى نهشت الكلاب قدمه، فلنقرأ أيضًا معًا ما يرويه لنا ابن أعثم الكوفي في الجزء الثّاني من كتاب الفتوح: ”وبقي عثمان ثلاثة أيّام دون أن يدفن حتّى كاد أن يتغيّر. وقال أحد كبار الخارجين من أهل مصر ويدعى عبدالله بن سحراد: لن نرضى أبدًا بدفنه في مقابر المسلمين لأنّه ليس مسلمًا. فقد سمع في أيّام خلافته حين عاد من المسجد إلى منزله وحوله بنو أميّة فقال أبو سفيان: يا بني أميّة، تلقّفوها تلقّف الكرة، فوالّذي يحلف به أبو سفيان: ما من عذاب ولا حساب، ولا جنّة ولا نار، ولا بعث ولا قيامة. وأنّه بدلاً من أن يُقيم حدّ المرتدّ أعطاه مئتي ألف دينار من بين مال المسلمين“. وهذا غيض من فيض ممّا ينضح به التّاريخ العربي، ومجلّدات التّاريخ العربيّ تكاد لا تحتوي سوى على هذا النّوع من القصص العنيف والقتل والسّحل، في السّاحات والقصور والمساجد.

فهل هذا هو العصر ”الذّهبي“ الّذي يتشدّق به الإسلامويّون؟ إنّه شعار جاء ليشلّ عقول العرب ويحجب عيونهم عن النّظر إلى المستقبل. فإن كان هذا الماضي، على ما فيه من عنف، هو ذروة ما يصبو إليه العربي المسلم، فما شأنه إذن بالمستقبل وما فيه من علوم واكتشافات وتطوّرات على جميع الأصعدة؟ الحقيقة يجب أن تُقال على الملأ، إذ يبدو أنّ هذه العصور ”الذّهبيّة“ الموهومة، وتلك الممارسات العربيّة لم يطرأ عليها أيّ تغيير منذ ذلك الحين وحتّى الآن. والحقيقة المرّة أيضًا هي أنّ الإسلامويّين يعتاشون على الأميّة المتفشّية في صفوف عامّة الشّعوب العربيّة. إنّهم يعتاشون على جهل الشّعوب العربيّة الّتي لا تقرأ هذا التّراث الدّموي، وإن قرأته فهي لا تفهمه، وإن لم تفهم ما تقرأ فإنّها تخجل أن تسأل، وإن سألت فليس لديها من تسأل سوى فقهاء الظّلام هؤلاء الّذين يزيّنون لها هذا التّاريخ.

والوجه الآخر للعنف العربي، كما أراه، له علاقة وثيقة بالموروث الأدبي، والشّعر الجاهلي وشبيه الجاهلي بصورة خاصّة، هذا الموروث الّذي تتربّى عليه الأجيال العربيّة من المحيط إلى الخليج. إنّه تراث من شعر الحرب والقتل والسّحل والسّيوف والخيول وقطع الرّؤوس، إذ أنّ ”السّيف أصدق إنباءً من الكتب“، إلى آخر القائمة من هذه ”الدّرر“ الّتي عاثت فسادًا بذهنيّة العرب طوال قرون. ويكفي أن نُعطي مثالاً على هذه العقليّة، وهو مثال لا يزال عالقًا في ذهنيّة من تربّوا على هذا تراث الغزوات الجاهليّة.

فهذا بن لادن يقرأ شعرًا في بعض التّسجيلات المتلفزة، فماذا يقرأ على بن لادن على الملأ؟

لنقرأ معًا:

إن أطبقت سدفُ الظلام وعضّنا ناب أكولُ

وديارنا طفحت دما ومضى بها الباغي يصولُ

ومن الميادين اختفت لُمع الأسنة والخيولُ

وعلت على الأنات أنـغام المعازف والطبولُ

هبت عواصفهم تدك صروحه وله تقولُ

لن نوقف الغارات حتى عن مرابعنا تزولُ


وعندما هرب واختفى سفّاح العراق في جحوره، بدأ يبعث هو الآخر رسائله المتلفزة. وهو أيضًا على غرار هذه العقليّة العربيّة المتكلّسة يقرأ الشّعر أيضًا. فماذا يقرأ؟

لنقرأ معًا:

أطلقْ لها السّيف لا خوفٌ ولا وجلُ أطلق لها السيف وليشهدْ لها زحلُ

أسرجْ لها الخيلَ ولتطلقْ أعنّتها كما تشاء وفي أطرافها الأملُ

واقدحْ زنادَك وابْقِ النارَ لاهبةً يخافها الخاسئ المستعبد النّذلُ

أطلقْ لها السّيفَ جّردْهُ كبارقة ما فاز بالحقّ الا الحازمُ الرّجلُ


إنّها، إذن، الذّهنيّة ذاتها منذ عصر الجاهليّة وحتّى عصرنا هذا، لم يتغيّر في هذه الذّهنيّة شيء طوال كلّ هذه القرون.

وبكلمات أخرى، يمكن القول إنّ الأصوليّة العربيّة تنهلُ من موردين، مورد ديني ومورد ثقافي، وكلاهما يربّي الأجيال على العنف القبلي وعلى العنصريّة تجاه الآخرين كلّ الآخرين. بل ويجعل من كلّ هذا التّراث العنيف ومن هذه العنصريّة قيمة حضاريّة يتفاخر بها. بالإضافة إلى ذلك، وبسبب الأميّة المتفشّية في صفوف الجماهير العربيّة منذ القدم، فقد تجذّر الإنسان العربي على مرّ التّاريخ في حالة بشريّة يمكن أن نطلق عليها حالة الإنسان السّماعي، بدلاً من أن يتحوّل مع الطّفرة التّربويّة والعلميّة المعاصرة إلى حالة الإنسان القارئ، أي إلى حالة الإنسان الواعي.

بل ويمكن القول إنّ ثمّة جانبًا آخر يترافق مع هذه الأميّة المتفشّية، وهو الوضع المأساوي الّذي لحق باللّغة العربيّة وأصحابها على جميع الأصعدة. فالنّظرة الأصوليّة إلى هذه اللّغة بوصفها لغة القرآن، أي لغة مقدّسة، وضع قيودًا عليها فانكفأت على ذاتها لا تواكب العصر الحديث على مافيه من طفرات علميّة. لقد آل حال العربيّة إلى وضع صار فيه أهل هذه اللّغة يبتعدون عنها مفضّلين اللّغات الأخرى الّتي تُكتب وتُقرأ وتُلفظ دون فروق تذكر بين هذه الحالات، بخلاف اللّغة العربيّة الّتي إن كُتبت لا تُقرأ، وإن قُرئت لا تُلفظ في الشّارع ولا في الحديث اليومي فتكوّنت فجوة كبيرة بينها وبين حياة البشر اليوميّة على جميع مجالاتها.

وهكذا وصلنا إلى وضع يمكن أن نطلق عليه وضعًا من انعدام هذه اللّغة لدى عامّة الشّعوب العربيّة، أي أنّ اللّغة العربيّة في الحقيقة ليست لغة أمّ، وإنّما هي لغة مكتسبة بالدّراسة وموجودة في الكتب، وليست هي لغة التّخاطب في البيت والشّارع. ولمّا كانت حال العرب من الأميّة على ما هي عليه، وانحسار القراءة وانتشار الكتب كما تشير جميع التّقارير، فإنّ هذا الوضع قد أوصل عامّة شعوب العرب إلى حال من الشّيزوفرينيا اللّغويّة. وبكلمات أخرى، العرب بعامّة منوجدون في حالة من العجز اللغوي عن التّعبير االذّاتي، إذ أنّ اللّغة هي التّعبير الأقوى عمّا يفرزه العقل البشري. ولو نظرنا إلى عالم الأطفال لوجدنا أن العنف يتولّد لديهم عندما يكونون يفتقرون إلى لغة التّعبير. فكلّما كانت لغة الأطفال غنيّة كلّما كان بوسعهم التّعبير عن ذواتهم فيبتعدون عن لغة العنف الكلامي والجسدي.

وما حال العرب في هذه الأيّام سوى حالة طفوليّة على جميع الأصعدة، فالعرب يفتقدون لغة التّعبير السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية، والعاطفيّة إلى آخر هذه القائمة. وفي حال الطّفولة العربيّة هذه فإنّ التّعبير الوحيد الّذي يصدر عنها هو تعبير العنف بجميع أشكاله.

ما العمل، إذن؟
أوّلاً، هنالك ضرورة ملحّة إلى إعداد معاجم عربيّة معاصرة تحوي هذه اللّغة المكتوبة اليوم، والّتي أستطيع أن أجزم أنّ غالبيّة طلبة المدارس والجامعات لا يفهمونها، ويخجلون من الإفشاء بعدم الفهم هذا فتتولّد لديهم حال من فنتازيا الفهم، لا حال من الفهم الحقيقي. كذلك، هنالك ضرورة ملحّة إلى إعداد مناهج تعليميّة عصريّة للمدارس العربيّة تُغلّب العقل على النّقل، كما أشار أكثر من مرّة وفي أكثر من مكان الأستاذ العفيف الأخضر. وبكلمات أخرى، هنالك حاجة إلى مناهج تعليميّة تُغلّب الشّكّ على اليقين. لأنّ الشكّ هو محرّك البحث عن الحقيقة، وهو رافعة العلوم، بينما اليقين، أي الإيمان الأعمى، هو الّذي أوصل الإنسان العربي طوال هذه القرون إلى هذه الحال من الشّلل.

وثانيًا، العمل على إعداد مناهج تجديديّة فيما يخصّ اللّغة العربيّة تهدف إلى جسر الهوّة القائمة بين اللّهجات الدّارجة المحكيّة وبين لغة الكتابة، لأنّ لغة الكتابة هي لغة العقل، بينما اللّهجات المحكيّة، وهي لغة النّقل التّبسيطي، الّذي لا يمكن بأيّ حال أن يجاري العصر وعلومه المتطوّرة في جميع الأصعدة. يجب أن تصل الأمّ العربيّة إلى وضع تكتب فيه وتقرأ وتتكلم في البيت والشارع ومكان العمل بنفس اللّغة. فقط في حال كهذه يستطيع الطّفل العربي أن يقول إنّ العربيّة هي لغة أمّه.

وخلاصة القول، 
نحن منوجدون في حال من الشّيزوفرينيا الحضاريّة. فمن جهة نحن في حال طفوليّة حضاريًّا من ناحية الإبداعات المعرفيّة في جميع المجالات واللّغوية على وجه الخصوص، ومن جهة أخرى نحن في حال من الشّيخوخة النّفسيّة نعيش على أمجاد ماضٍ متخيّل، نسمع به ولا نقرأه. وفوق كلّ ذلك لا نملك ألسنة نتحدّث بها، إذ قامت السّلطات السّياسيّة والدّينيّة والاجتماعيّة وعلى مرّ العصور العربيّة بقطع ألسنة العرب. وبذلك صار العنف هو السّبيل الوحيد للتّعبير العربي والإسلامي عن الذّات.

ملاحظة: رغبت أن أعبّر بهذه المقالة عن تضامن من نوع آخر، وبهذه الصّورة، مع الأستاذ العفيف الأخضر في مواجهة قوى الظّلام.
*
نشرت، إيلاف، 18 مايو 2005
*


عبد القادر الجـنابي || أدونيس يرقع لبشار الأسد


عبد القادر الجـنابي
|| أدونيس يرقع لبشار الأسد

لا أريد أن ابدو وكأني طائفي، فأنا معروف بكرهي الشديد لأي تحزب مذهبي، وكثيرا ما صرحتُ: طز بكل الهُويات الطائفية وأولها هُوية طائفتي. لكن لا أستطيع أن أرى أدونيس انسانا حرا قادرا على التكلم خارج انتمائه الطائفي. فبدلا من أن يدين نظام بشار الأسد على ارتكابه مذبحة الحولة، ها هو يفتح فمه فتخرج منه كل العبارات، البهلوانية والسامة، لتبرير موالاته لنظام الأسد مذهبيا وايديولوجيا.. فمن الملاحظ انه كلما يشتد الضغط الدولي على نظام بشار الأسد، يطلع علينا ادونيس بتخريجة مبطنة!!

يقول ادونيس في العدد الذي صدر اليوم من مجلة "أسيا افريقيا": "من يراقب السياسة الحالية لفرنسا ازاء العالم العربي يلاحظ انها تخون مبادىء الثورة الفرنسية.... بدلا من العمل على دعم التيارات المدنية والديموقراطية والمتعددة القادرة على ارساء اسس ثورة شاملة من شأنها اخراج المجتمعات العربية من تخلف القرون الوسطى الى الحداثة، فان فرنسا وعلى العكس من ذلك تدعم كل الحركات الاصولية الرجعية وتتعاون باسم حقوق الانسان مع الانظمة الاصولية الرجعية... اذا كان الدافع لذلك هو الدفاع عن حقوق الانسان فان الفرص لاثبات ذلك ليست قليلة خصوصا في فلسطين والسودان والعربية السعودية ومجمل دول الخليج، التي لا يوجد حتى دستور لدى بعضها.... لا احد يستطيع الدفاع عن اي نظام عربي كان. لكن لا ينبغي ايضا اصلاح الشر الذي تمثله هذه الانظمة بشر اخر.... هذا تماما ما تفعله فرنسا واوروبا اليوم". كلام تتلثم به طبيعة أدونيس الطائفية... إنه ترداد ببغائي لما جاء في خطب بشار الأسد! كان يمكن ان اتفق معه لو كان مرفقا بنقد لا لف فيه ولا دوران، لنظام بشار الأسد... ومع هذا: لنفترض أن اوروبا دافعت، او تدافع كما يقول ادونيس، عن انظمة شريرة، فليس معنى هذا ان يسكت ادونيس عن جرائم نظام شرير كنظام بشر الاسد.

السؤال هو: منذ متى كان ادونيس يدافع عن الحريات المدنية والعَلمانية وحقوق الإنسان؟ فتاريخه سجل أسود من المواقف الانتهازية يندى لها الجبين، حد البكاء أمام السلفيين المصريين والادلاء بالشهادتين، مع انه لا يؤمن بهما:

- ألم يكتب تقريضا لثورة الخميني يعد فيها الغرب بالموت المؤكد؟

- ألم يكتب مقدمة لمختارات اعدتها زوجته خالدة سعيد لكتابات محمد بن عبدالوهاب، يدافع فيها عن موقف الشيخ الوهابي المضاد للمرأة

- ألم يأخذ جائزة عدو القصيدة الحديثة، أي القصيدة المدنية العلمانية، جائزة باشراحيل المخجلة!

- ألم يكتب في أول التسعينات بأن الخليج هو مركز الثقافة العربية اليوم....

- ألم تكن أول المنتفعين من كرم دولة الإمارات هذه التي تقول عنها إنها "لا يوجد حتى دستور لديها"...

وألم وألم والم وألم.....

كان الأجدر بادونيس أن يعمل، كما يعمل بعض العلويين الاحرار، على تحسين سمعة الطائفة العلوية، بإدانة، على نحو واضح وعلني جرائم نظام عائلة الأسد العلوية... كان الأجدر به أن يكشف عن شعور إنساني صغير، يمتلكة أصغر شاعر، إزاء اربيعين طفلا قتلتهم شبيحة النظام...

إن ما تفعله فرنسا وأوروبا هو ليس أكثر من باب التضامن الإنساني مع بشر بسطاء يقتلون بأبشع الطرق... فلا فرنسا ولا اوروبا في نيتها "اصلاح الشر الذي تمثله هذه الانظمة العربية بشر آخر".. وهل هناك شر أفظع من شر نظام عائلة الأسد العلوية التي ينتمي اليها روحيا وسياسيا وأخلاقيا هذا الشاعر العجوز ادونيس!

لم يعد لنظام الأسد الطائفي شبيحة تعمل على الأرض فقط، بل أيضا اصبح له شبيحة اخطر هي شبيحة الشعراء الذين لم يعد لهم لا ضمير، ولا أخلاق ولا يحزنون!
*
عن: أيلاف
---
إقرأ أيضًا: سلمان مصالحة | تفكيك أدونيس ومن هم على شاكلته

تفكيك أدونيس ومن هم على شاكلته



لا يستطيع القارئ أن يعثر في رسالة أدونيس الاستجدائيّة هذه على أيّ صيغة تشفع له أمام هول ما يجري في الشّام. كما ليس في رسالته أيّ موقف أخلاقي ممّا تعرضه الشاشات، وما يتسرّب إلى اليوتيوب من صور المجازر التي يرتكبها هذا النّظام البعثي الفاشي.

المقامة اللُّوديڤيّة

سلمان مصالحة

المقامة اللُّوديڤيّة

حدّثني أبو نَهار المَغاري ذات صباح، عن غير نفرٍ من السّلف الصّالح دخل كلامُ بعضهم في كلام بعض، عن صاحبٍ ثقةٍ لا يهدأ له بال، ولا يقرّ على حال، قال، قال لي عائدٌ من بلاد الغال: اسمع هذه الحكاية عن رحلة التّرحال إلى ما وراء البحار، فلكلّ مقام مقال حتّى كادَ الأمر يلتبس على ذي البصيرة فَيَحار، إذْ ما فتئت اليدُ قصيرة والأكاذيب غفيرة.

قلتُ لهُ: يا صاحِ، هلْ لكَ أنْ تُسْفِرَ عَمّا بَطَنَ خلفَ ذا الوشاحِ من الكلام المسجوع، أو ما تكنّه بين الضّلوع؟ فما أنْ فرغتُ من السؤال حتّى استلَّ من فمه لسانًا صَيْرَفيًّا صارمًا ما مسَّ قطع، فأصابَ أرنبةَ أنفِه فَامْتَقَع، ثمّ نظرَ إليّ نظرَةً مِنْ خَلْفِ نَظّاراتِه ندمتُ إثرها على سُؤالِيهِ واحْتَجْتُ إلى جَلَدٍ في النّفس لِمُداراتِه. وبعدَ أنْ هدأ الغضبُ في نفسِهِ وسكنَ الهيجان، إستعاذَ من الشّيطان، وطفقَ يروي لي حكاية ذلك المهرجان، ضاحكًا باكيًا في آن.

بعد حسن الإستهلال بحمد ذي العزّة والجلال، قال: مع انعقاد دورة جديدة لأصوات المتوسّط الشّعريّة في مدينة لوديڤ في الجنوب الفرنسي، وهي أصواتٌ متنوّعة تنوّعَ الألسن والمشارب، لا بدّ من التّذكير بما يجري في المكان وبما يُكتَب عنه في صحافة (إقرأ منذ الآن: سخافة) العُربان. ففي العام الماضي شارك عبدكم الحقير الفقير إلى رحمة ربّه في المهرجان وكان ما كان. لكنّني حين قرأتُ ما كُتب من مقالات أو ذُكر في مقابلات، سألتُ نفسي الأمّارة بالسّوء، هل كُنّا حقًّا معًا في نفس المكان، أم أنّ بعض الشّعراء العرب المشاركين مصابون بذلك الفصام الـمُزمن الّذي لا سبيل إلى مداواته. أم أنّ كلاًّ منهم كان حقًّا في مكانه يُغنّي على مهرجانه؟

المأساة يا صاح تكمن في أنّ البعض من الشّعراء العرب ينظرون إلى هذا الملتقى الشّعريّ، أو غيره، وكأنّه حلبة صراع ونزال، أو نزاع وقتال في بلاد الغال. وليست هذه الأقوال تُساق هُنا إلاّ عن البعض، لأنّ ثَمَّ آخرين، وليسوا نَفَرًا قليلين، لم يأبهوا بهذه التّرّهات، بل جاؤوا للشِّعر بعيدًا عن الشّبهات، وانتصروا للشِّعر في السّاحات فانتصرَ الشِّعْر بهم أمام النّاس. أمّا أولئك الّذين يوسوس في نفوسهم الوسواس، فقد جاؤوا للمهرجان قِلّة قليلة، وظلّوا سامدين في غيّهم ناشرين علانيةً هذه الخصلة العليلة.

وهكذا كان، فما أنْ عادَ هؤلاء النّفرُ من المهرجان إلى بلادِ العُربان حتّى أخذوا يُطبّلون ويزمّرون في الصّحافة الأبيّة، ويشيعونَ على الملأ بطولاتهم الڤيرطواليّة، مستنجدينَ بتعابير الصّمود والتّصدّي ممّا حمل في تضاعيفه لسان العرب، ناسينَ أو متناسين أنّ حبلَ الكذب قصير، وأنّ الحقَّ لَمْ يفتأْ لهُ في هذه الدّنيا نصير. فأينَ مقارعة الأعداء يا هؤلاء ممّا رأتْ عيناي وسمعتْ أذناي قبلَ عام، وأينَ أولئك الّذين جاؤوا يستنجدون سرًّا طالبين أمورًا لَنْ أفصحَ عنها الآن في هذا المكان، غيرَ أنّه يبدو أنّ رغبة المشاركة في المهرجان قد طغت على بعض العُربان حتّى عادوا يخلطون الحابل بالنّابل، وشعبان برمضان، ويكتبون للقرّاء في الأماكن البعيدة عن انتصاراتهم المجيدة.

وفي الختام، من رأى ومن سمع ما جرى في العام المُنصرم، ليُتابعْ ما يُكتب أو يُقال عن مهرجان هذا العام من جواهر الكلِم. فلكلّ مقامٍ مقال، أو زمرةٌ تروي الأباطيل، وخاصّة عمّنْ يأتي من إسرائيل. وهكذا، فهمتُ أخيرًا لماذا روى لي رفيقي الحكاية فضحكَ حينًا وحينًا بكى، فالطّبعُ عند البعض يغلبُ التّطبيع، رغمَ ما يُشاعُ في الصّحافة على مسامع الجميع.

وأدركَ صاحبي صباحُ العرب فقهقَهَ مليًّا حتّى انْتَحَب.
*
نشرت في: القدس العربي، 26 تموز 2000
______________

اتّحاد ”قلّة الأدب“ الفلسطينيّ




سـلمان مصـالحة


اتّحاد "قلّة الأدب" الفلسطينيّ


أرسل إليّ أحد الأصدقاء رسالة يلفت فيها انتباهي إلى خبر نشرته صحيفة ”اليوم السابع“ المصريّة، ذاكرًا لي أنّ الخبر يدرج اسمي ضمن أسماء لآخرين يشاركون في مؤتمر أدبيّ ينظّم في مدينة حيفا في بداية ديسمبر. في البداية ظننت أنّه يمزح، كعادته، خاصّة وأنّي لا أشارك هذه الأيّام لا في مهرجان ولا في أيّ مؤتمر يقام في حيفا أو في أيّ مكان آخر. غير أنّه عاد وأكّد على ما ذكره لي، بل وأرسل إليّ وصلة لموقع الصحيفة في الإنترنت.

وبالفعل، قرأت الخبر في ”اليوم السابع“ وهاكم فُتاتًا منه: ”كتب وجدي الكومي: قال الكاتب الفلسطيني مراد السوداني رئيس اتحاد كتاب فلسطين، إن الكاتب المغربي الطاهر بن جلون وعدد كبير آخر من الكتاب منهم الفلسطيني سلمان مصالحة سوف يشاركون فى مؤتمر إسرائيل الأدبي المزمع انطلاقه اليوم الأربعاء فى بلدية حيفا. وأكد رئيس اتحاد الكتاب الفلسطيني فى اتصال هاتفي مع "اليوم السابع" على أنه تلقى اسم بن جلون وهؤلاء المطبعين ثقافيًا مع إسرائيل، ضمن برنامج المؤتمر الأدبي الذي زوّده به صديقُه الروائي الفلسطيني سلمان ناطور ...“ (عن: اليوم السابع، 1، ديسمبر 2010).

بعد قراءة الخبر قلت بيني وبين نفسي: حقًّا، ما كان الصّديق بكلامه مازحًا ولا بدعاباته طافحًا، بل عارف بكلّ خبايا هذه المطارح. ولمّا كنت لا أعرف شخصيًّا من هو مراد السوداني هذا، لا صنعته ولا مهنته، وهو الذي تسمه الصحيفة برئيس اتّحاد كتّاب فلسطين، كما لا علم لي أصلاً بوجود اتّحاد بهذا الاسم أو ذاك، ولا تعنيني اتّحادات الكتّاب لا في فلسطين ولا في سائر البلدان، فما أكثر الاتّحادات وما أقلّ بركتها عند العرب. قلت في نفسي سأكتب رسالة بالبريد الإلكتروني واستفسر من سلمان ناطور (الروائي الفلسطيني) الّذي يزوّد رئيس اتّحاده - اتحاد كتّاب فلسطين - بأخبار الأدب والأدباء. وهذا بعض ما جاء في رسالتي إليه: ”... قرأت الخبر في "اليوم السابع" وأثار استهجاني جدًّا، إن لم يكن أكثر من ذلك. لا أدري كيف تسمح لنفسك بأن تزجّ باسمي في الموضوع، وما دخلي أنا به؟... أنتظر ردّك“.

وسرعان ما جاء ردّ سلمان ناطور على رسالتي، وأقتبس منه ما يلي: ”لم أقرأ الخبر من قبل وأنا أيضًا أستهجن كيف زج مراد باسمك وحتى باسم الطاهر بن جلون. فما أرسلته له هو قائمة المدعوين... أرسلت له بالميل مواد المؤتمر... وأسماء المدعوين... اسمك لم يكن في القائمة... ولذلك أنا أيضا أستهجن وروده في تصريح مراد... لقد حاولت الاتصال بمراد السوداني، ولكنه كما علمت متواجد في بيروت. هو عليه واجب النشر عن المصدر الذي اعتمد عليه بنشر اسمك اذا كان هناك مصدر أو أن يفسر كيف خطر اسمك بباله. على كل حال، أنا أفهم غضبك وحقك في الدفاع عن موقفك، خاصة في مسالة ليس لك فيها شبق ولا عبق. ولكنني لست العنوان لهذا الغضب.“

إذن، يتبيّن من قراءة رسالته الجوابيّة أنّ الطّاسة، كما نقول في لهجتنا، قد ضاعت بين السوداني والناطور. وما علينا الآن إلاّ أن نبحث عنها. غير أنّه، وكما يقال في لغة عفا عليها الزمان، ثمّة أمر واحد لا يمكن بعد الآن أن ينتطح فيه عنزان: أحد الإثنين، إمّا السّوداني وإمّا النّاطور، كاذب. وأنا لا أعلم حتّى هذه اللّحظة أيّهما الكاذب وأيّهما النّادب. وهذه المسألة يمكن على كلّ حال أن يتدارسها فيما بينهما الاثنان للخروج بقول فصل يفرز القمح من الزؤان، والصدق من البهتان.

علاوة على ذلك، ولكي أكون على بيّنة من الأمر أكثر فأكثر، فقد بحثت عن برنامج هذا المؤتمر في الصحافة العبريّة، فما من شكّ أن الصّورة قد تتّضح لي بصورة أبهر وأنور، لأنّ برامج المؤتمرات تُنشر عادة في وسائل الإعلام بعد أن يكون المدعوّون قد وافقوا على المشاركة فيها. وبعد بحث بسيط عثرت على برنامج المؤتمر وهو منشور باللغة العبريّة.

هاكم، إذن، أسماء الكتاب العرب المشاركين كما نُشرت باللغة العبرية: من البلاد - سميح القاسم، سالم جبران، نداء خوري، سميح ناطور (شقيق الروائي؟؟؟). ومن خارج البلاد - نجم والي (عراقي)، سهام عصامي (مغربية)، طارق بسبسي (جزائري).

إذن، لا أدري، وبعد كلّ ما ذكرت آنفًا، من أين جاؤوا باسمي وكيف زجّوا به في أمر لا جمل لي فيه ولا ناقة حلوبًا.

لن أدخل في هذه المهاترات معهما أو مع غيرهما، مع أنّ لديّ الكثير ممّا يُقال في هذا الشأن وفي غيره من شؤون المستنقعات ”الأدبيّة“ العربيّة المتمثّلة في اتّحادات لا همّ لها سوى كثرة الشغب وقلّة الأدب. وأكتفي بهذا القدر من التنويهات والتوضيحات الآن.

وعلى كلّ حال، ليس من عادتي أن أشارك في الخفاء أو خلسة في مؤتمر هنا أو مهرجان هناك كما يفعل كثيرون. فليس لديّ ما أخفيه، كغيري من كتّاب وأدباء فلسطين أو سائر خرّيجي الكتاتيب العربية الأخرى.

ولعلّ خير ما اختتم به هذا الكلام هو التذكير بمقولتنا الشعبيّة التي تلخّص هذه الحال، وهي تقول: ”قلّة الشّغل بتعلّم التطريز“. وعلى ما يبدو، فإنّ هؤلاء وأمثالهم مشغولون بتطريز بيانات قلّة الأدب، ليس إلاّ. فهنيئًا لهم بهذه الصنعة!

والعقل وليّ التوفيق!
***
المقالة نشرت في: إيلاف، 8 ديسمير 2010
______________________________

الشيخ سلمان بن صليبي آل مصالحة يردّ على الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم


سلمان مصالحة ||

رسالة القمّة إلى القاع


الشّيخ سلمان بن صليبي آل مصالحة، حاكم إمارة "من جهة أخرى" الافتراضيّة، يردّ على الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم إمارة "دبيّ" الحقيقيّة.

بشرى سارّة - فتوى علمانيّة


سلمان مصالحة ||

بشرى سارّة - فتوى علمانيّة



كثرت في الآونة الأخيرة الفتاوى،
وهذا بلا شكّ دليل ناصع ساطع قاطع على حيرة كبيرة وجد النّاس أنفسهم فيها جرّاء طبيعة الحياة المتسارعة في هذا العصر المُعَوْلم. والحقيقة أنّه لا بأس في ذلك، ما دامت كلّ هذه الفتاوى تتطرّق إلى أمور سخيفة، أو مثيرة للضّحك في الكثير من الأحيان. فما من شكّ في أنّ إثارة الضّحك في نفوس بني البشر لها ميزات صحيّة لا بأس بها، كما أنّ الطبّ الحديث يوصي بالضّحك كوسيلة للتّخفيف عن آلام المرضى. لذلك درجت مستشفيات كثيرة في العالم على استحضار المهرّجين إلى أروقتها، وذلك بغية إشاعة الضّحك لدى المرضى النّزلاء، وخاصّة لدى الأطفال منهم.
قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!