باكستان الشرقية في فلسطين


سلمان مصالحة ||


باكستان الشرقية في فلسطين



بعد جلاء الانتداب البريطاني عن شبه القارة الهندية في سنة 1947 انقسمت شبه القارة إلى كيانين سياسيين، واحد بغالبية هندية وآخر ذي غالبية مسلمة وهو الكيان الذي أطلق عليه اسم باكستان. لقد كان الكيان الباكستاني مؤلفًا من إقليمين، باكستان الغربية والشرقيه يفصل بينهما أكثر من ألف كيلومتر. لقد استمر هذا الوضع حتّى بداية السبعينيّات من القرن المنصرم، حيث ثار الإقليم الشرقي البنغالي وأدّى الأمر في نهاية المطاف إلى انفصال تام عن الدولة الباكستانية وقيام دولة بنغلادش.

وها هو التاريخ المشابه يعيد نفسه هنا في فلسطين. فعندما خطّط رئيس الحكومة الإسرائيلية شارون الانسحاب من قطاع غزّة وتفكيك المستوطنات هناك، كان يضع نصب عينيه شيئًا شبيهًا لما جرى في باكستان الشرقية. لم يكن الأمر صدفة أنّ شارون لم يرتّب خطّة الانسحاب من غزّة مع السلطة الفلسطينية التي كانت تشكّل الإطار السياسي الجامع للإقليمين الفلسطينيين، في الضفة والقطاع. لقد كان شارون يخطّط لإفساح المجال لحركة حماس بالاستيلاء على قطاع غزّة بغية إصابة عصفورين بانسحاب واحد. أوّلاً، سيشكّل ذلك إضعافًا للسلطة الفلسطينية المتحدّثة باسم فلسطين والفلسطينيين. وثانيًا، من شأن هذا الانسحاب أن يقسم الأرض الفلسطينية الموعودة للدولة الفلسطينية إلى إقليمين لا يربط بينهما رابط سياسي أو جغرافي. إنّ تعميق هذا الشرخ الفلسطيني سيفسح المجال أمام إسرائيل لمواصلة التركيز على تعميق الاستيطان وابتلاع القدس وأجزاء واسعة من الضفّة الغربية.

وهذا ما حدث فعلاً على أرض الواقع. من الجدير بالتذكير أنّ الحملات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزّة، لم تهدف في أيّ منها إلى الإطاحة بحكومة حماس التي تسيطر على القطاع بأيّ حال من الأحوال. أصوات من هذا النوع تُسمع فقط من قبل بعض الأحزاب اليمينة الصغيرة، لكنّ الأحزاب الكبرى التي ترأست الحكومات، بدءًا من أولمرت وانتهاءًا بنتنياهو ، بالإضافة إلى المؤسسة العسكرية قد صرّحت غير مرّة أنّها لا تهدف إلى إسقاط حكومة حماس.

وهكذا يتكرّس هذا الانقسام الفلسطيني على غرار ما جرى في باكستان. إنّ إمارة غزّة هي أكثر شبهًا بباكستان الشرقية التي انفصلت فأضحت دولة بنغلاديش. بينما الضفّة الغربية لا زالت تعاني من الاحتلال والتوسّع الاستيطاني الإسرائيلي.

إنّ هذا الانقسام الفلسطيني هو أكبر عون للسياسات التوسعية الإسرائيلية، إذ منذ استيلاء حماس على القطاع وتأبيد هذا الشرخ الفلسطيني، لم يعد هناك من يتحدّث باسم فلسطين. فحكومة حماس تتحدّث باسم غزّة، حيث تسيطر، وحكومة رام الله تتحدّث باسم الضفّة، حيث لا سلطة لها على غزّة. وبين هذه وتلك تسرح الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وتمرح. ما من شكّ في أنّ استمرار هذا الانقسام هو أكبر هدية تقدّمها القيادات الفلسطينية المتّسمة بقصر النظر، وعلى طبق من فضّة، لحكومات الرفض الإسرائيلية.

وعلى مرّ السنين، طالما تغنّى العرب والفلسطينيون بخاصة، ورفعوا شعارات رنّانة مثل أنّ فلسطين هي قضية العرب الأولى. لقد صدّقت الزعامات الفلسطينية، السياسية والثقافية والاجتماعية، كلّ تلك الشعارات وأشاعتها على الملأ الفلسطيني وكأنّ عجلات قطار العالم تتوقّف عند هذه القضيّة فحسب. لقد ركن الجميع إلى السكينة وكأنّ العالم الواسع، أو كأنّ العالم العربي لا يشغله شاغل سوى الشأن الفلسطيني.

لقد نسيت الزعامات الفلسطينية أو تناست أنّ العالم العربي بزعاماته وشعوبه مشغول في الواقع بقضايا ملحّة أخرى، كما إنّ العالم والقوى العظمى مشغولون بقضايا عالمية لا تقلّ إلحاحًا عن قضيّة فلسطين، بل قد ينشغل العالم بقضايا هي أكثر أهمية من وجهة نظره من القضية الفلسطينية والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. إنّ ما جرى في العالم العربي في السنوات الأخيرة هو أكبر شاهد على ذلك.

لقد شهد هذا العالم العربي نكبات هي أكبر بكثير من النكبة الفلسطينية، ويكفي النظر إلى النكبة السورية المتواصلة لفهم ما هو حاصل في هذه المنطقة. من هنا، فيمكننا القول إنّ هذه المنطقة ستنشغل بقضاياها الداخلية المزمنة. ففي المستقبل المنظور ولعقود طويلة، لن تقوم لدولة مثل سورية قائمة، وكذا هي الحال مع العراق وسائر أقاليم سايكس بيكو.

بالتأكيد ستستغرق عملية إعمار هذه البلدان عقودًا طويلة من الزمان. إنّ الإعمار سيطال بين ما سيطاله أيضًا الإعمار المجتمعي الذي سيكون أكثر عواصة من إعمار المدن والحواضر المتهدّمة. غير أنّ ما نخشاه هو استحالة اتمام التئام هذه المجتمعات من جديد في الكيانات السياسية التي عهدناها. بعد كلّ هذه الشروخ المجتمعية، الطائفية، الدينية والإثنية، والتي اصطبغت بالدم، ليس من السهل بناء الدول مجدّدًا في الحدود المرسومة سابقًا. فهل ستضحي إمارة غزّة على غرار بنغلاديش؟ وهل سترتسم أمام أعيننا حدود جديدة، وتنشأ كيانات جديدة في هذه البقعة من الأرض؟

إنّه سؤال مفتوح على كافّة الإمكانات. وكما قالت العرب منذ القدم: الدّهر ذو دول.

*

نشر: ”الحياة“، 30 مارس 2015

حلم عربي



سلمان مصالحة || 

حلم عربي


حَفِظْتُ الدَّرْسَ عَنْ نَسَبِي
وَأَوْدَعْتُ الحِجَى كُتُبِي.

بِهَا يُذْكَى إِذَا قُرِئَتْ
لِسَانُ العَاقِلِ النَّجِبِ.

حول التدخل العربي في الانتخابات الإسرائيلية


سلمان مصالحة ||

حول التدخل العربي في الانتخابات الإسرائيلية


لو كان الأمر مضحكًا لضحكنا. فجأة وفي ضوء الانتخابات الإسرائيلية المزمع إجراؤها اليوم، بدأت منذ مدّة تُنشر تصريحات من هذا المسؤول أو من ذاك الزّعيم العربي موجّهة الكلام إلى المواطنين العرب في إسرائيل، حيث تحضّهم على المشاركة الكثيفة في الانتخابات. ليس هذا فحسب، بل تُسمّي لهم القائمة التي يجدر بهم التصويت لها.


لقد قرأنا أخيراً تصريحات مسؤولين في الجامعة العربية في شأن مشاركة العرب من مواطني إسرائيل في هذه الانتخابات، حيث ذكرت وسائل الإعلام: «أعربت جامعة الدول العربية عن دعمها الكامل للخطوة الإيجابية التي اتخذتها مجموعة من الأحزاب العربية والشخصيات الفلسطينية من عرب 48 بدخول انتخابات الكنيست الإسرائيلي المقررة في مارس المقبل بقائمة موحدة، داعية كل المواطنين العرب إلى أن يذهبوا إلى صندوق الاقتراع لدعم هذه القائمة بكل قوة»، كما ذكرت وسائل الإعلام.

وفي هذا السياق، نودّ القول: كم هو غريب أمر هذه المؤسسة المسمّاة جامعة الدول العربية! فعلى ما يبدو، وبعدما انتهت من حلّ كلّ القضايا العالقة في العالم العربي، وجدت متّسعاً من الوقت للتطرّق إلى الانتخابات الإسرائيلية، ولشؤون المواطنين العرب في إسرائيل. والسؤال الذي لا مناص من طرحه هنا، كيف تجرؤ هذه الجامعة على التدخُّل في ما لا يعنيها من شؤون المواطنين العرب هنا؟ وهل تعتقد أنّ المواطنين العرب هنا قد بلغوا هذه الدرجة من الغباء، وهم ينتظرون بفارغ الصبر وصول إيحاءات هذه المؤسسة التي شبعت موتاً أصلاً، بغية تعريفهم بمصالحهم وبحقوقهم في وطنهم؟

ثمّ سؤالٌ آخر لا مناص من طرحه، إذا كانت مصالح الشعوب تعني هذه المؤسسة حقّاً، فلماذا لم نسمع منها تصريحات تطالب بإجراء انتخابات ديموقراطية مثلاً في البلاد العربية الممثّلة في جامعتها؟ ولماذا، مثلاً، لم نسمع تصريحات تطالب المصريين أو التونسيين أو غيرهم بالتصويت لهذا الحزب أو ذاك، لهذه الفئة أو تلك؟ أم إنّ هذا التدخُّل الفظّ محصور فقط في شؤون المواطنين العرب في إسرائيل؟

يجب أن نبلغ المسؤولين في هذه الجامعة العربية المأزومة بأنظمة دولها أن تكفّ عن التدخُّل في شؤون المواطنين العرب في إسرائيل، مثلما لا تتدخّل في الشؤون السياسية لأيّ من المواطنين العرب في أيّ من الدول العربية التي تنضوي تحت لوائها. فنحن أدرى بشعابنا وبشعوبنا، وبمصالحنا الوطنية وباختياراتنا السياسية، الثقافية والاجتماعية.

وقبل أيّام خرج علينا زعيم عربي آخر، تنطّح هو الآخر لهذا الشأن وأدلى بدلوه في أمور الانتخابات الإسرائيلية. لقد جاء التصريح هذه المرّة من الزعيم اللبناني وليد جنبلاط، وكان التصريح موجّهاً حصريّاً إلى فئة معيّنة من المواطنين لدينا، إلى أبناء الطائفة الدرزية، حيث ناشدهم بالتصويت للقائمة المشتركة أيضاً.

وفي هذا السياق نقول: كم هو غريب أمر زعامات لبنان هذه! كأنّ لبنان انتهى من حلّ مشاكله المزمنة وانتخب رئيساً جديداً له، ولم يبق إلّا التدخّل في شؤون الجيران، من المواطنين العرب في إسرائيل؟ أنتم في لبنان، ومنذ شهور طويلة، لا تعرفون كيف تنتخبون رئيساً لدولتكم الفاشلة، بسبب طبيعة النظام الطائفي والقبلي في برلمانكم وأحزابكم. والآن توجّهون النصائح لأناس آخرين، كيف ينتخبون ومن ينتخبون. أليس حريّاً بكم أن تهتمّوا بترتيب أمور بيتكم السياسي والوطني قبل إعطاء النصائح للآخرين؟ هذه هي ذروة المهازل.

كما أنّ ثمّة ملاحظة في هذا السياق لا مناص من وضعها على الطاولة: لماذا هذا التوجّه الطائفي لفئة دون غيرها من المواطنين لدينا؟ فعلى رغم أنّنا هنا نرفض هذا التدخّل من الناحية المبدئية، فإنّنا نجد أنفسنا مضطرين لأن نسأل: أليس حريّاً بمن يعتبر نفسه زعيماً عربيّاً أن يتوجّه إلى أطياف المواطنين العرب كافّة؟ إن تخصيص فئة دون غيرها بهذه التصريحات جزء من المآزق العربية والأمراض التي نحاول الشفاء منها. ومن يعتبر نفسه عربيّاً لا يمكن أن يكون إلّا علمانيّاً، يؤمن بفصل الدين عن السياسة والدولة. الإيمان الديني شأن فردي فحسب، ومن شتّت المجتمعات العربية وأدّى إلى شرذمتها إلى طوائف هو وجود الأحزاب الطائفية والدينية، وعلى رأس هذه الأحزاب «الحركة الإسلامية». فهذا النوع من الحركات هو الذي عمل على شرذمة المجتمعات العربية، ليس عندكم فقط، بل عندنا أيضاً. والذي يعطي شرعية لوجود أجسام طائفية كهذه، سيفتح الطريق لوجود أجسام طائفية أخرى، مسيحية ودرزية أو غيرها، لا فرق. نحن هنا نرفض كلّ هذه التوجّهات الطائفية، مهما كان مصدرها، ونقول باختصار لكلّ من يحاول التدخّل في شؤوننا: نحن هنا على جميع طوائفنا، من مسلمين ومسيحيين ودروز، لسنا في حاجة إلى شهادة من أحد على وطنيّتنا. نحن أدرى بمصالحنا في وطننا، وبشقّ طريقنا إلى مستقبلنا في بلادنا. ومثلما لا نتدخّل في الشؤون الداخلية لديكم، ولم نطلب من أحد أن يصوّت لهدا الفريق أو ذاك في بلادكم، فأنتم مطالبون أيضاً بعدم التدخُّل في شؤوننا هنا في بلادنا.

ما نأمله منكم هو أن ترتّبوا أمور بلادكم وتخرجوا دولكم الفاشلة من مآزقها، وأن تنتخبوا رؤساءكم ونوّابكم في دول الطوائف والقبائل التي، على ما يبدو، لا تستطيعون الفكاك منها.
*

نشر: "الحياة"، 17 مارس 2015







ماهية الأحزاب المنتخبة في كنيست إسرائيل

سلمان مصالحة ||


ماهية الأحزاب المنتخبة في كنيست إسرائيل




الكنيست - البرلمان الإسرائيلي

بمناسبة الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية التي ستجري في الأسبوع القادم، يجدر بنا وضع هذه الحقائق أمام الذين يختارون دسّ الرؤوس في الرمال، وأمام بعض الذين أدمنوا تعاطي المزايدات وإطلاق الشعارات القومجية، أكانوا أفرادًا من مراهقي العروبة السياسية أو من بعض التيارات والأحزاب التي تعمل لاهثة وبكدّ متواصل لدخول البرلمان الإسرائيلي - الكنيست.


الحقيقة الأولى:
هنالك شروط قانونية لمشاركة الأفراد أو الأحزاب في الانتخابات الإسرائيلية، وفقط الأحزاب التي لا تنقض هذه الشروط يُسمح لها بالمشاركة. هذه الشروط القانونية ينصّ عليها قانون أساس الكنيست، وهو بمثابة قانون دستوري ملزم. ولكي لا يبقى القارئ هائمًا على وجهه في ظلام المزايدات نورد هنا النصّ القانوني الوصيل بالموضوع، والذي يتطرّق إلى منع أحزاب أو مرشّحين من خوض انتخابات الكنيست:

قانون-أساس الكنيست البند 7أ:

النصّ العبري:

”רשימת מועמדים לא תשתתף בבחירות לכנסת ולא יהיה אדם מועמד בבחירות לכנסת, אם יש במטרותיה או במעשיה של הרשימה או במעשיו של האדם, לפי הענין, במפורש או במשתמע, אחד מאלה:

(1) שלילת קיומה של מדינת ישראל כמדינה יהודית ודמוקרטית;

(2) הסתה לגזענות;

(3) תמיכה במאבק מזוין, של מדינת אויב או של ארגון טרור, נגד מדינת ישראל.“


ترجمة عربية:

”لا يُسمح لقائمة مرشّحين بالمشاركة في انتخابات الكنيست، كما لا يُسمح لشخص بأن يكون مُرشّحًا في انتخابات الكنيست، إذا انوجد في أهداف أو فعاليات القائمة أو أعمال الشخص، بمقتضى الأمر، بصورة واضحة أو بما قد يُفهَم منه، أيّ ممّا يلي:

(1) رفض وجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية؛

(2) تحريض على عنصرية؛

(3) دعم لكفاح مسلّح، لدولة أو لمنظّمة إرهابيّة، ضدّ دولة إسرائيل.“

***
الحقيقة الثانية:
حتّى بعد انتهاء عملية الانتخابات، فرز الأصوات والإعلان عن توزّع الأصوات بين قوائم المرشّحين والأحزاب التي عبرت نسبة الحسم، وعدد النوّاب لكلّ قائمة، تبقى هنالك خطوة أخرى مُلزمة لكلّ نائب تمّ انتخابه للكنيست. إنّها خطوة قسم ”يمين الولاء“ في الجلسة الأولى للكنيست بعد الانتخابات. إذ يتوجّب على كلّ نائب منتخب أن يُقسم يمين الولاء هذا، ولا يُعتبر نائبًا في البرلمان دون أداء اليمين.

هاكم نصّ يمين الولاء لدولة إسرائيل الذي يُلزم كلّ نائب بأدائه علنًا في الكنيست:

يمين الولاء لدولة إسرائيل -

النصّ العبري:

"אני מתחייב לשמור אמונים למדינת ישראל ולמלא באמונה את שליחותי בכנסת".


ترجمة عربية:

”إنّي أتعهّد بأن أحافظ على ولائي لدولة إسرائيل وأن أنفّذ بأمانة مهامّ رسالتي في الكنيست.“

*
خلاصة الكلام:
يجب أن تكون هاتان الحقيقتان أمام كلّ من يرغب في التطرّق إلى ماهية الأحزاب الإسرائيلية التي يُسمح لها بالمشاركة في الانتخابات.

إنّ هذه الشروط تسري على كافّة الأحزاب والأفراد، بما فيها الأحزاب العربية بالطبع. هذا يعني أيضًا أنّ كافّة الأحزاب الإسرائيلية، بما فيها الأحزاب العربية المشاركة، هي أحزاب تعترف قولاً، فكرًا وفعلاً بالأسس الأيديولوجية التي أُنشئت على ضوئها دولة إسرائيل. بل وأبعد من ذلك، تقوم بأداء يمين الولاء لإسرائيل على هذه الأسس.

هذه هي الحقيقة السياسية في إسرائيل، ومن الجدير أن يتذكّر الجميع ذلك لدى الحديث في هذه الشؤون، لكي لا تلتبس الأمور على أيّ من النّاس.

والعقل ولي التوفيق!
*
نشر: شفاف الشرق الأوسط

من باميان إلى النمرود - همجية بلا حدود

سلمان مصالحة ||

من باميان إلى النمرود - همجية بلا حدود




لقد بدأ هذا المسلسل قبل عقد ونصف من الزمان. كان الوقت آنئذ ربيعًا أيضًا. حريّ بنا أن نتذكّر تلك الواقعة في الوقت الذي نشاهد ارتداداتها في هذه المنطقة العربية. لم تكن الضحيّة في ذلك الوقت من لحم ودم ولم تكن من البشر، بل كانت منحوتة في الحجر، أو معمولة من ذات الطين الذي عُجن منه الإنسان كما ورد في أسطورة الخلق.

قبل عقد ونصف أقدمت عصابات الملا عمر على نسف وتدمير تمثال بوذا الكبير في وادي باميان في أفغانستان. لقد صمد ذلك التمثال المنحوت في الجبل ويبلغ ارتفاعه ثلاثة وخمسون مترًا طوال قرون طويلة، رغم المحاولات المتعددة لهدمه على مرّ التاريخ. غير أنّ عصابات طالبان أفلحت قبل عقد ونصف في الإجهاز على هذا الصرح الشاهد على حقبة غنيّة من التاريخ البشري.

وها هي عدوى هذا الوباء من الهمجيّة تنتقل من ذلك الشرق الأبعد لتصل إلى هذه الربوع وإلى هذا المشرق العربي. هكذا شاهدنا وشاهد العالم من حولنا كيف أعملت العصابات التي تنهل من ذات العقائد المتخلّفة معاولها في المتاحف والعراقية، وهكذا أقدمت ذات العصابات على هدم وتجريف المواقع الأثرية في بلاد ما بين النهرين. لقد هدمت آثار تل النمرود، ثمّ انتقلت إلى آثر مدينة الحضر الأثرية، الذي يشكّل أحد أهمّ المواقع التي لها علاقة وثيقة بالأساطير العربية السابقة للإسلام. نعم، هنالك خيط رفيع يربط بين عصابات طالبان وبين عصابات ”داعش“. إنّها ذات العصابات لأنّها تستند إلى ذات الأيديولوجية، لقد تعدّدت الأيادي البربرية والجريمة واحدة. تعدّدت الأسباب والأيديولوجية واحدة.

إنّ الإدانة وحدها لا تكفي. هنالك ضرورة ملحّة إلى خلق إجماع عربي وعالمي والعمل على كبح جماح هؤلاء البرابرة الجدد، بمعزل عن الخلافات السياسية التي قد تكون موجودة. إنّ هذا الإرث الحضاري في هذه المنطقة هو إرث لكلّ الأطياف البشرية التي تقطنه، بل وأبعد من ذلك، إنّه إرث الإنسانية جمعاء. فإذا كانت هذه المنطقة مهد الحضارة الإنسانية فلزام على من ينتمي إلى هذه الإنسانية أن يضع حدًّا لهذه الجرائم.

ولكن، وفي ضوء ما يجري، يعلو سؤال لا مناص من طرحه. ما الّذي يجري هنا؟ وما هي الأسباب التي تدفع أتباع هذه الأيديولوجية البربرية إلى ارتكاب كلّ هذه المجازر بحقّ البشر وبحق الحجر الذي نُقش فيه تراث هذه البقعة من الأرض؟

برأيي، ليس صدفة أنّ هذه العصابات الإسلامية قد جنحت إلى هدم ومحو هذا الميراث الحضاري. إنّ هذه الجرائم هي شاهد على الأزمة التي تنخر في الإسلام والأزمة التي تنخر في العرب. إنّ هذه الجرائم هي أكبر دليل على الهزيمة الحضارية التي هي السمة المميزة لهذه المنطقة طوال قرون طويلة. إنّ الثورة المعلوماتية والتكنولوجية التي أدّت إلى تقريب العالم من بعضه البعض ودفعت انفتاح كبير حيث أضحى الفرد يشاهد على الشاشة ما يجري حوله في هذا العالم بكبسة زر، قد أبرزت بصورة لا يرقى إليها الشكّ كلّ هذه الهشاشة الحضارية للإسلام والعرب في العصر الراهن.

إنّ الانتقام من هذا الميراث الحضاري نابع من أنّه سابق للإسلام. نعم، فحتّى هذه الآثار والصروح الحضارية ليست من عمل الإسلام. عندما ينظر أتباع هذه الأيديولوجية البربرية من حولهم، ماذا يجدون؟ كلّ هذا التقدّم العلمي والتكنولوجي الذي يدفع البشرية قدمًا، لا ناقة له فيه ولا جمل. إنّه مجرّد مستهلك وحسب. وعندما ينظر إلى كلّ هذه الصروح العمرانية والحضارية في هذه الآثار، فهي أيضًا ليست من عمله ولا من إبداعه. وإذا أضفنا إلى كلّ هذا الخواء الذي يعيش فيه الإنسان العربي والمسلم، المهزوم والمأزوم في آن، أنظمة الاستبداد الجاثمة طوال عقود على صدره، تُضحي هذه الحالة أحد أهمّ الدوافع للانتقام من كلّ شيء. إنّها أبرز شاهد على كون هذه الحضارة تنقصها الثقة بالنفس.

ليس من السهل الخروج من هذه الأزمة الحضارية. لكن، بغية الخروج منها يجد بنا أوّلاً أن نُشخّص المرض قبل التحوّل إلى تطبيبه. لذا، يجب البدء بإعادة الثقة بالنفس العربية. غير أنّ هذه الثقة لا يمكن أن تعود إلاّ عبر بناء دولة المواطنة الواحدة الجامعة لكلّ الأطياف. لا يمكن أن تعود الثقة إلاّ عبر دولة المؤسسات وفصل الدين والطائفة والقبيلة عن الدولة. لا يمكن إعادة الثقة إلاّ بدفع المرأة العربية لتتصدّر الحياة السياسية والاجتماعية بعد كلّ الفشل الذكوري على مرّ القرون. لا يمكن إعادة الثقة إلاّ بوضع الإنسان العربي المفكّر الحرّ في المركز.
هذه هي بداية الطريق. فهل نبدأ من هنا هذه الرحلة؟
*
نشر: ”الحياة“، 12 مارس 2015 



"البيت العربي"

مقالة مترجمة بتصرف

سلمان مصالحة || "البيت العربي"

يعيش اليهود والعرب في هذه الدولة في عالمين متوازيين من دون أن يكون بينهما تقريباً أي نقاط تماس. فهناك بلدات عربية وهناك بلدات يهودية. وحتى في تلك البلدات التي يطلق عليها "بلدات مختلطة"، هناك أحياء عربية وأحياء يهودية. باختصار، فإن الأبارتهايد الاجتماعي قائم وموجود.

ربيع الممالك العربية


سلمان مصالحة || 

ربيع الممالك العربية




ها نحن نقترب من نهاية العام الرابع على الانتفاضات التي ضربت أكثر من قطر في أنحاء العالم العربي مشرقه بمغربه. أقول انتفاضات ولا أقول ثورات عن سابق قصد، إذ إنّ ما جرى في الأعوام الأخيرة في كلّ تلك الأقطار لا يمكن بأيّ حال أن يُسمّى ثورة بما تعنيه هذه الكلمة في العلوم السياسية.
قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!