إذ لم نخلق


سلمان مصالحة || إذ لم نخلق

العَيْنُ قَدْ تَحْكِي، وَإنْ
لَمْ تَنْطِقِ. وَكَذا الّتِي
صَمَتَتْ بِلَيْلٍ مُحْدِقِ.

قَطَبَتْ شِفاهًا، لَمْ تَفُهْ،
وَتَأَوَّهَتْ بِعُيُونِ صَائِدِهَا
الَّذِي لَمْ يَرْفِقِ.

نَظَرَتْ إلَيْهِ، وَفِي العُيُونِ
تَوَسُّلٌ، وَكَأَنَّها عَلِقَتْ
بِحَبْلِ المَشْنَقِ.

وَأَنَا، الَّذِي كَشَفَ الكَلامَ
بِعَيْنِهَا، آلَيْتُ أَنْ أَحْكِي
بِلَحْنٍ أَرْوَقِ.

لَمْ أَدْرِ مَا فَعَلَ السَّرَابُ
بِحُلْمِهَا، فَكَأَنَّها نَطَرَتْ
أَوَانَ تَصَدُّقِي.

وَأَنَا الفَقِيرُ لِبُرْهَةٍ فِي
سَفْحِهَا، قَدْ حِرْتُ مِنْ
أَيِّ السَّلالِمِ أَرْتَقِي.

الصَّمْتُ فِي العَيْنَيْنِ
يَكْبُرُ،كُلَّمَا شَطَرَتْ شِفَاهًا،
وَاسْتَبَاحَتْ مَنْطِقِي.

فَعَدَلْتُ عَنْ حُكْمٍ قَضَيْتُ
بِحَقِّها، وَعَفَوْتُ عَنْ
جَسَدٍ تَوَسَّدَ مِرْفَقِي.

وَرَأَيْتُ فِي العيْنَيْنِ بَعْضَ
زَوابِعٍ، هَوْجاءَ. أَخْمَدَها
قَضائِي المُشْفِقِ.

فَعَزَمْتُ أَنْ أَرْوِي صَحَارَى
يَأْسِهَا. وَأُحِيلُهَا نَهْرًا،
يُلاعِبُ زَوْرَقِي.

فَمَضَيْتُ، وَالأَرْواحُ تَخْفِقُ
حَوْلَنَا، فِي رِحْلَةٍ صُبِغَتْ
بِبَرْقٍ أَزْرَقِ.

وَنَفَخْتُ فِي الأَبْواقِ، حَتَّى
أَمْطَرَتْ عَرَقًا يَسِحُّ عَلَى
نِثَارِ تَمَزُّقِي.

كَنُبُوعِ ذَاكِرَتِي، الَّتَى قَدْ
أَيْنَعَتْ لَهَبًا بِجِسْمِي
فِي المَفَاوِزِ، فَارْمُقِي

مَا حَلَّ بِي، بَعْدَ الرَّحِيلِ
بِقَفْرَةٍ، غَنَّاءَ بِالحُلُمِ
الَّذِي لَمْ يَصْدُقِ.

فَإذَا عَفَوْتُ عَنِ الهَوَاجِسِ
فِي الدُّجَى، لا تَحْسَبِي
عَفْوِي ثَوَابًا. فَانْطُقِي

مَا شِئْتِ، حِينَ سَلَبْتِنِي
جَسَدِي الَّذِي قَدْ كَلَّنِي. فَأَنَا
الَّذِي أَلَمَ الخَلائِقِ أَتَّقِي.

إنْ كُنْتِ قَدْ وَزَّعْتِ
عُمْرَكِ مَرَّةً، وَرَسْمْتِ
أَحْلامًا بِرَأْسٍ مُطْرِقِ،

إذْ كانَ صَمْتُكِ غَارِقًا
فِي شَاطِئٍ، مِنْ بَحْرِ
خَاصِرِكِ الَّذِي لَمْ يَعْرَقِ.

فَلَكِ الصَّهِيلُ، لَكِ القَتِيلُ،
وَلَحْظَةٌ وَسَعَتْ زَمَانَ
الخَلْقِ، إذْ لَمْ نُخْلَقِ.

وَكَفَاكِ أَنَّ البَحْرَ يُرْسِلُ
صامِتًا، مَوْجًا بِعُرْضِ
اللَّيْلِ، حِينَ تَدَفُّقِي

كَسُيُولِ صَحْرَاءٍ، تَجَمَّعَ
فَيْضُهَا فِي نُطْفَةٍ، حَمَلَتْ
عَنَاءَ المَشْرِقِ.
*


مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!