پيتار بوشكوفسكي: قصائد

پيتار ت. بوشكوفسكي

(قصائد)

ترجمة

سلمان مصالحة - ماريانا كافتشيتش


مع ماريانا على ضفاف بحيرة أوحريد (2005)
***


ألم (Бол)


لو كان شُعوري
كمثال ظُهوري لاعتقدَت الشمسُ
أنّها أضاعت الطّريق
يُسْتَحسَن
أن يبقى محجوبًا عن عيون النّاس
شيءٌ مّما يختلجُ فينا.

***

حجر سماوي (Небесен камен)

إندسّ الحجرُ في حَقْلي
كما لو في حضن الأم
الحجرُ المنعتقُ من سلاسل النّجوم

التّجاربُ الخطيرة
للتّرحال الطويل
صَقَلَتْه حتّى الاكتمال
قَلَّصْته إلى نواته

من شدّة الاشتعال
لا زالَ اللّونُ الأحمرُ فيه
والآن ينصتُ بهدوء
إلى دورانه في الدّاخل

لم يكن أبدًا مُهدّدًا
مثلما هو الآن في يدي
ما لم يقدر أن يفعلَ به الكونُ
في وسعي أنْ أفعلَ به

في وسعي أن أَهَشّمه بالشاكوش
أنْ أجعلَه مسحوقًا
أن أغمس فيه الخبز
دواءً للدّوخان

في وسعي أن أفعل ذلك
لكن يُستحسنُ ألاّ أفعل
للشَّبهِ الموجود الذي
يربطنا من الخارج

إنّه يتقلّصُ إلى شيء واحد
يا لها من عدالة عابرة
وحظّ مجنون
أن تكون على هذه الأرض

***

الماء والنّار (Водата и огнот)

تنطلق النّار القديرة
كي تفهم معنى الماء
لكن، ما أن تدخل في الماء كثيرًا
حتّى يزداد الأمر عليها صعوبة
يأخذها الماء بحضن من قزّ
يرفعها لأعالي السّماء

هادرًا من الغضب
يضربها بالأرض بعنف
النّار تأخذها الرّجفة
الّتي تفقدها الذّاكرة

هابطًا من الأعالي
كي يقوم بشؤونه الدّنيويّة
يروي الماء لنا
الماء الّذي يمنحنا الحياة
إمّا بهمس كلام الأمّ
حين نصيخُ السّمع إليها
أو بالغضب الطّوفاني
إن كانت آذاننا موصدة
هذا مصيرُ من يرغب في أن يعرف كنهي
من قبل أن يعرف كنه نفسه.

***

زيزفون (Липа)

الشيخ الّذي أرهق
نفسه يجلس للمرّة الأولى تحت الزيزفرنة
التي زرعها من زمان
يتمزّق صراعًا مع نفسه
إذ مضى يومه ولم
يكمل ما كان نوى
ويلوم نفسه غاضبًا
مع كلّ خطوة خاطئة
مع كلّ لحظة تمرّ سدى
مع الإرادة المهزومة من قبل الإنهاك غير المعترف به

الغروب يرفع البوق الأصفر
لينادي الأصيل
الأصوات الذهبيّة تتساقط فوق ذروة الشجرة المزدهرة
والعطر السائل يقطر فوق جسد الشيخ المنقبض
يُشعره بأنّه يغمرُ عَظْمَه
يَجْري دفئًا في صُلْبِه
دبيب يسري في جسده، يطرد عنه أعباء كوابيس

أنذا كنت ذاك الشيخ
إذ طرق سمعي هذا الصّوت الآتي من ماضٍ غابر
لزيزفونتي الّتي تشفع لي
الصوت الهاتف لي
إرحم نفسك.

***

فراشات (Пеперуги)

تتهاوى هوينى في المشهد
فراشات تنبضُ ألوانًا زاهية بالرّبيع
كما لو كانت تنهّدات مرتعشة
زهورًا حَطّتْ من علياء سماء

ببراءة تتناقلُ فوق النّبت الأخضر
الّذي التهمه في عام ماضٍ
دودٌ شره لا يرحم
كي يعطي أجنحة للجمال

والآن يعطيك الحقّ في أن
تخطو مسكونًا بالجانّ
لا يسألك أحدٌ
ماذا صارَ بحالك؟


***


مخزن (Амбар)

يجب التفكيرُ
باستخدامات جديدة للمخزن
يمكن أن تحوي حجراته
مائة صاعٍ من غلّة
لكن، منذ عقود خمسة
لم يشمم رائحة القمح
لا معنى بعدُ ولا غاية لَهْ
أضحى الأمر خطيرًا
أضحى مختنقًا بالصّمت
يمكن أن ينفجرَ
كاللغم الأرضي

يجب التّفكير
باستخدامات جديدة
للمخزن.


***

الوجه الخلفي (Опачина)

أمس مساءً
مُنشرحَ الصدر
كنتُ جمعتُ
بلّورات بيضاءَ
ساقطةً من جيب الزّمنِ

بلّورات
أحفطها
للدّهشة

في ذاك الموقع
حيث وضعت البلّورات
عثرتُ عليها فاحمةً حين صحوتُ

آهٍ
ماذا افعلُ بي
حقيقة النّهار
المبتذلة.


***

رابسوديا (Рапсодија)

ليس لئيمًا أو أحمق
ذاك الشخص من القصّة
حين يقول صبح مساء
"ليقتل الرّب العادلين"
إذ كان يعلمُ حقّ العلم، أهل القسطاس تولّوا

هذا القول، ثبت بالبرهان الآن

وأنا أسأل نفس القصّة
لماذا يمنحنا الرّبّ إذن
شمسًا أو مطرًا وهواء؟
بعد التّفكير مليًّا، تحكي فتقول
"من أجل النّبتِ، من أجل الحيوان".


***

يقين الخلود (Сигурноста на вечноста)

يتّسع الكون
كي يصبح كرةً
شكلاً كاملاً
كرةً ملساء جميلة
لكن، سدًى
كذا الطّبيعة لا تقدرُ
أن تبلغ كمالاً
لكن، من حسن الحظّ
لا تني تحاول
دون كلال
هذا الأمر صحيح حتّى أنّه
لا يمكن أن يحمل في ذاته
ما هو أقلّ من الخير
ما هو أقلّ من الجمال.


***

مزار (Светилиште)

شجرة البلّوط بيت مقدّس
أوجده ربّ الغابة
نشدّ إليه الأرحال
أعيننا ملأى بالخشوع
ذروتها تبلغُ
نبض السّماء
تصلُ الأرضَ
بإيقاعات الكون
في جسد الشّجرة
تجري موسيقى الأفلاك
لغةً خالدةً.
حينَ نراها
نراها دومًا أوّلَ مرّة
إذ نُدهشُ لا نبلغُ أقصى دهشتنا
أيّ جبّار لاذ قديمًا
في حبّة بلّوط صغرى
ما تاقَ إليها غيرُ الخنزير.


***


زهور اللّيل (Ноќно цвеќе)

متمرّد أنت
لا يقبل القسمة المجحفة
للجمال بين اللّيل والنّهار
ليس من العدل أن يستحوذ الواحد على كلّ شيء
ويبقى الآخر صفر اليدين

حراميّ أنت
تأخذ حرامًا لتعطي
وبالخرق الخضراء
تربط ضوء النّهار
كي تمنح للّيل قطرات
تشعّ بضوء الشّمس

مُرتدّ أنت
تؤمن بمثلك الصّغير
النّوايا الطّيبة
تُذيب أكبال الصّقيع الّتي
تشدّ بها الحياة نياط القلب
حتّى الإيلام والدّموع

مرآكَ
لكَ وحدك
ولأنّك والعدل سيّان
فأنت بشاشة طفل
غارق في نوم مُقمر.


***

شرشوح (Плашило)

من ذا نصبَ وما السّببُ
هذا الشّرشرحَ المنتصبَ
في عرض الحقل المتروك
رأس مصنوع من قرع، وعيون من فحم
جسد من مِزَقٍ يحمله خازوق
طرفُ رثٍّ - مكنسة
تهوي للضّرب
هذا ما صنعوا في الماضي
كي يحموا ذرة الحقل
من أغربةٍ وطيور غازية
لكن، ما الجدوى منها الآن؟
إذ لم يبقَ محصول أو طير
في ظنّي، هذا عمل قام به من
عاد من المدن الباهتة
تاقَ إلى وطنٍ مندثرٍٍ

لو كان الشّخص أتى من بلدٍ خلفَ البحر
لكان نصبَ صندوقًا آليًّا يزعقُ طول اليوم
كِشْ، كشْ، كشْ.


***


البيت العتيق (Старата куќа)

حين رجعت كان البيت
عجوزًا قد حفّ بصرها، عالقةً بفروع العلّيق
تتلوّى ألمًا، تُركت لقدرها
تنتظر مصيرًا قد يأتي سريعًا

سارعتُ إلى إجراء التّرميمات، وإكمال اللّمسات
وعلاج جروح، طرد الأنفاس الرّطبة
سندتها برفق
ومسحتُ العمش الأبيض من عينيها
فتعالت دقّات القلب، التمع الخدّان
كشعور الأمّ وقد عاد إليها
الإبنُ بعد فراق طال.

إنّي أنكبُّ عل العتبة
حملٌ قد زال من الظّهر
ولأوّل مرّة، بعد عناء
أسمع نفسي تهمس لي: مرحى

ما أضعفني
يا لتشتّت أعصابي، يا لهمود في العينين
لكنّي لم أخسر ما كان يمكن أن أخسر
إذ أنّي لم أخطئ درب البيت، طريقًا
تُفضي نحو البيت العتيق

مرحى، هذا نداء النّفس
تتلفّع بالضّوء الأبيض
إذ عادت تعشق كالطفل الولهان.


***


كوخ (Колиба)


عدتُ إلى توبليك
جبلٌ ترى السحالب فيه النّور باكرًا
حيث يكون الزّمان
رياحًا تهبّ من الآن
إلى ما مضى وانقضى
تنخر في رأسي الفكرة
لو أنّي كنت بنيت كوخًا لي
فيه فِراشٌ عبقٌ من سرخس جاف
وطحالب ناعمة كالنّفس أفرشها للرأس مخدّة
كنت وضعت فوق الباب
غصنًا من دبق
كي يدرأ عنّي صروف الدّهر
ولكنت رقدت هناك
بنعيم الإنسان الأوّل
كي أبلغ هذي النّعمة
أحتاج إلى منجل
لكن الرّيح تهاوت بي
لحياة لا تعرف معدن
وأنا الآتي من زمن قابل
أعجز عن أن أصنع شيئًا.


***


Petar T. Boškovski, Poems, Translated into Arabic by: Salman Masalha & Marijana Kavčić, Struga, August 2005




مشاركات



تعليقات فيسبوك:


تعليقات الموقع: يمكن إضافة تعليق هنا. لا رقابة على التعليقات مهما كانت مخالفة للرأي المطروح، بشرط واحد هو كون التعليقات وصيلة بالموضوع.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

قضايا
  • كل يغنّي على ويلاه

    إنّ القطيعة التي فرضها الإسلام على العرب مع جذورهم الجاهلية قد سجنتهم في بوتقة الواحدية الأيديولوجية التي لا يمكن أن تكون إلاّ كابتة ومستبدّة، أي فاشية في نهاية المطاف. كذا هي طبيعة الأيديولوجيّات الواحدية، أكانت هذه الأيديولوجيات دينية أو سياسية، لا فرق.
  • شعب واحد أم تشعّبات؟

    قد يظنّ البعض أنّ إطلاق الشّعارات يكفي وحده إلى تكوين مجموعة سكّانيّة هوموجينيّة متراصّة لها مقوّمات الشّعب كما يجب أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته.

    تتمة الكلام
 
قراء وتعليقات
  • تعليقات أخيرة

  • جهة الفيسبوك

    قراء من العالم هنا الآن

  • عدد قراء بحسب البلد

    Free counters!